للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريق الثالث: ما دوّنه أربابُ المذهبِ في مؤلفاتِهم الأصولية والفقهية.

اهتمَّ أتباعُ المذاهبِ بالتأليفِ في فقهِ إمامِهم وأصولِه، وكثرتْ مؤلفاتُهم في هذا البابِ، فتجدُ في كلِّ مذهبٍ العددَ الكبيرَ مِن المؤلفاتِ الأصوليةِ والفقهيةِ، وتجدُ التفاوت فيما بينها في حُسنِ العرضِ، والاهتمامِ بالدليلِ، وتحريرِ القولِ.

لكنْ هلْ يُنسب كلُّ ما في هذه المدوّناتِ إلى إمامِ المذهبِ؟ وهلْ كلُّ ما فيها تصحُّ نسبتُه إلى المذهبِ؟

يقولُ شمسُ الدين بنُ القيّمِ متحدثًا عن واقعِ كتب المذاهب الفقهيةِ: "والمتأخرون يتصرّفون في نصوصِ الأئمةِ، وَيبْنُوْنَها علىَ ما لم يكن لأصحابِها ببالٍ، ولا جَرَى لهم في مقالٍ، ويتناقله بعضُهم عن بعضٍ، ثم يلزمهم مِنْ طردِه لوازمُ لا يقولُ بها الأئمةُ، فمِنْهم مَنْ يطردها، ويلتزم القولَ بها، ويضيفُ ذلك إلى الأئمةِ، وهم لا يقولون به! فيروجُ بين الناسِ؛ بجاهِ الأئمةِ، ويُفْتَى به، ويُحكمُ به، والإمامُ لم يقلْه قط، بلْ يكون نصَّ على خلافِه! " (١).

ويقولُ أيضًا: "ولا يحلُّ أنْ يَنْسبَ إليه - أيْ: إلى إمامِه - القولَ، ويطلقَ عليه أنَّه قولٌ بمجرّدِ ما يراه في بعضِ الكتب التي حَفِظَها أو طالعها مِنْ كتب المنتسبين إليه، فإنَّه قد اختلطتْ أقوالُ الأئمةِ وفتاويهم بأقوالِ المنتسبيَن إليهم واختياراتهم، فليس كلُّ ما في كتبِهم منصوصًا عن الأئمةِ، بلْ كثيرٌ منه يخالفُ نصوصَهم! ... فلا يحلُّ لأحدٍ أنْ يقولَ: هذا قولُ فلانٍ ومذهبُه، إلا أنْ يعلمَ يقينًا أنه قولُه ومذهبُه" (٢).

وقبلَ بيانِ أحوالِ ما يورده أربابُ المذاهب في مؤلفاتِهم، أُحِبُّ أنْ أبيّنَ أنَّ للتأليف في المذهبِ أساليبَ متعددة، مِنَ ذلك:


(١) الطرق الحكمية (٢/ ٦٠٨ - ٦٠٩).
(٢) إعلام الموقعين (٦/ ٧٣ - ٧٤)، وانظر منه: (٦/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>