للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقولُ - أيضًا -: "قد غَفَلَ كثيرٌ مِن الفقهاءِ، ووَجَدُوا الأئمةَ الأُول قد أفتوا بفتاوى بناءً على عوائد لهم، وسطّروها في كتبِهم؛ بناءً على عوائدِهم، ثمَّ المتأخرون وَجَدُوا تلك الفتاوى، فأفتوا بها، وقد زالتْ تلك العوائدُ، فكانوا مخطئين خارقين للإجماعِ؛ فإنَّ الفتيا بالحكمِ المبني على مُدْرَكٍ، بعدَ زوالِ مُدْرَكِه خلافُ الإجماعِ، ومِنْ ذلك: لفظُ: الحرام والخَلِيّة ... مسطورٌ لمالكٍ أنَّه يُلزِمُ به الطلاق الثلاث؛ بناءً على عادةٍ كانتْ في زمانِه، فأكثر المالكيةِ اليومَ يفتي بلزومِ الطلاقِ الثلاثِ؛ بناءً على المنقولِ في الكتبِ عن مالكٍ، وتلك العوائدُ قد زالتْ" (١).

ولذا نبّه جمعٌ مِن المحققين إلى ضرورةِ مراعاةِ عُرفِ المتكلمِ في ألفاظِه في الأيمانِ والأقارير ونحوِهما؛ لئلا يقعَ الخطأُ في فهمِ مرادِه؛ نتيجةَ اختلافِ عُرْفِ بلدِه (٢).

ويلحق بهذه الصورةِ: ما في المذهب مِنْ أقوال مبنيّةٍ على مصلحةٍ أو ضرورةٍ، ثمَّ اختلفَ الحالُ بعدَ زمنٍ، فتغيّرت المصلحةُ، وانتفَت الضرورةُ؛ فإنَّ هذه الأقوالَ المسطّرةَ في المذهبِ لا تبقى حينئذٍ، بلْ تتغيّر؛ لتغيِّر مُدْرَكِ الحكمِ (٣).

الصورة الحادية عشرة: تخريجُ قاعدةٍ أصوليةٍ للمذهبِ بناءً على استقراء فروعٍ مذهبيةٍ قليلةٍ.

اتجه بعضُ علماءِ المذاهبِ إلى تخريجِ قواعد مذهبِهم الأصولية بناءً على الفروعِ الفقهيةِ المنقولةِ عن أئمتِهم، ويتطرقُ الخطأُ إلى مَن يُخرِّجُ


(١) المصدر السابق (٣/ ٢٨٣). وانظر: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام (ص / ٢١٨ - ٢٢٦)، وتعليق ابن القيم على كلام القرافي في: إعلام الموقعين (٤/ ٤٧٠).
(٢) انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ ١١٥)، وصفة الفتوى (ص/ ٣٦).
(٣) انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (١/ ٣٣١)، وشرح عقود رسم المفتي لابن عابدين (ص/ ٤٧ وما بعدها)، والفقه المالكي بين التدليل والتجديد لمحمود الغرياني (٦/ ٤٣٨) مطبوع ضمن بحوث القاضي عبد الوهاب، وتوصيف الأقضية لعبد الله الخنين (١/ ٤٢٨ - ٤٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>