للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طائفةٍ تُرَجِّحُ متبوعَها، فلا تقبلُ جوابَ مَنْ يجيبُ بما يخالفها فيه ... وما مِنْ إِمامٍ إِلَّا له مسائل يترجح فيها قولُه على قولِ غيرِه ... " (١).

ويصفُ ابنُ القيّمِ الحالةَ النفسيةَ لمنْ يفضِّلُ مذهبَه على غيرِه مِن المذاهب، فيقول: "إِنَّ كثيرًا ممَّنْ يتكلمُ في التفضيلِ يَستشعرُ نِسبتَه وتَعَلُّقَه بمَنْ يُفضَّلُه، ولو على بُعْدٍ، ثمَّ يأخذُ في تقريظِه وتفضيلِه، وتكون تلك النسبةُ والتعلّق مُهَيِّجةً له على التفضيلِ والمبالغةِ فيه، واستقصاءِ محاسنِ المفضَّلِ ... ويكون نظرُه في المفضَّلِ عليه بالعكس، ومَنْ تأمَّل كلامَ أكثرِ الناسِ في هذا الباب رأى غالبَه غيرَ سالمٍ مِنْ هذا، وهذا منافٍ لطريقةِ العلمِ والعدلِ الَّتي لا يقبل اللهُ سواها، ولَا يرضي غيرَها، ومِنْ هذا تفضيلُ كثيرٍ مِنْ أصحابِ المذاهبِ والطرائقِ والشيوخ، كلٌّ منهم لمذهبِه أو طريقتِه أو شيخِه ... فإِنْ كان الرجلُ ممَّنْ لا يُشك في علمِه وورعِه، خيفَ عليه مِنْ جهةٍ أخرى، وهو أنَّه يَشْهَد حَظَّه ونفعَه المتعلق بتلك الجهةِ، ويغيب عن نفعِ غيرِه بسواها؛ لأنَّ نفعَه مشَاهدٌ له أقربُ مِنْ علمِه بنفعِ غيرِه، فيُفضّلُ ما كان نفعُه وحظُّه مِنْ جهتِه، باعتبارِ شهودِه ذلك" (٢).

ويقولُ أبو إِسحاقَ الشاطبي: "ورُبَّما انتهت الغفلةُ - أو التغافل - بقومٍ ممَّنْ يُشارُ إِليهم في العلمِ أنْ صيَّروا الترجيحَ بالتنقيصِ - تصريحًا أو تعريضًا - دَأَبَهم، وعَمَرُوا بذلك دواوينهم، وسوّدوا به قراطيسَهم، حتى صار هذا النوعُ ترجمةً مِنْ تراجم الكتبِ المصنّفةِ في أصولِ الفقهِ ... " (٣).

ويقولُ في موضع آخر عن الأئمة الأربعةِ: "وعَيْنُ الإِنصافِ تَرَى أنَّ الجميعَ أئمةٌ فضلاء" (٤).

* * *


(١) مجموع الفتاوى (٢٠/ ٢٩١ - ٢٩٢).
(٢) بدائع الفوائد (٣/ ١١٠٥).
(٣) الموافقات (٥/ ٢٩٨).
(٤) الاعتصام (٣/ ٣٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>