للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذاهبَ؛ ليعتنقَها تلامذتُهم، أو لتَرْسِمَ لهم طريقَ سلوكِهم، فضلًا عن دعوةِ الناسِ إليها، أو إلزامِهم بها، وإنَّما كانتْ أقوالُهم عبارةً عن آراء لهم فيما عُرِضَ عليهم، أو عَرَضُوا له مِن المسائلِ في مؤلفاتِهم (١)، ثمَّ تكوَّن مِن اجتهاداتِهم فِقْهٌ، ومِنْهَاجٌ سار عليه مَنْ تلاهم مِنْ تلامذتهم (٢)، فرسموا مذهبًا قائمًا لأئمتِهم ولم يُلْزَم الناسُ في هذه العصورِ بمذهب مجتهدٍ واحدٍ، بحيثُ لا يأخذون بأقوالِ غيرِه من المجتهدين، بلْ كانَ للناسِ - العامي منهم، والمتعلم الذي لم يبلغْ درجةَ الاجتهادِ - أنْ يستفتوا مَنْ شاءوا مِن المجتهدين (٣).

وقد وفّق الله تعالى الأئمةَ الأربعةَ بوجودِ طلابٍ قاموا بالبذلِ لقيامِ مذهبِ إمامِهم، وألَّفوا في مذاهبِهم أصولًا وفروعًا، وخرّجوا أحكامَ النوازلِ في ضوءِ مذاهب أئمتِهم، فنَهَجُوا نَهْجَهم في الاستنباطِ، واستشهدوا بأقوالِهم وآرائِهم، وتحمّسَ آخرون منهم، فقاموا بنشرِ مذهب إمامِهم والذبِّ عنه (٤)، إلى أنْ تتابعتْ هذه الجهودُ وأنجبتْ عبرَ السنينَ مذاهبَ قائمةً بأصولِها وفروعِها.

وكان هؤلاءِ المتمذهبون على قَدْرٍ كبيرٍ مِن العلمِ، أمَّا ما قاله الإمام محمدٌ الشوكاني عن المذاهب الأربعة: إنَّه أحدثها عوامُّ المقلِّدة لأنفسِهم، مِنْ دون أنْ يأذنَ بها إمامٌ مِن الأئمةِ المجتهدين (٥).


(١) انظر: المصدر السابق (ص/ ١٢، ٢٥٠)، والإمام محمد بن الحسن للدكتور محمد الدسوقي (ص/٢٩٤).
(٢) انظر: تقديم محمد أبو زهرة لنظرة تاريخية في حدوث المذاهب لأحمد تيمور (ص/ ١٧).
(٣) انظر: إعلام الموقعين (٣/ ٤٨٤)، وأسباب اختلاف الفقهاء لعلي الخفيف (ص/ ٢٥٠).
وسيأتي مزيد توثيق للاستدلال بحال الناس في مسألة: (حكم التمذهب بأحد المذاهب الأربعة).
(٤) التمذهب - دراسة تأصيليلة واقعية للدكتور عبد الرحمن الجبرين، مجلة البحوث الإسلامية، العدد: ٨٦ (ص/ ١٥٣).
(٥) انظر: القول المفيد (ص/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>