للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمَّا مالَ إلى مذهب الشافعيةِ، واستخفَّ بمذهبِه، هَجَرَه علماءُ المذهبِ المالكي، وكانت هَذه الحادثةُ في نهايةِ القرنِ الثالثِ الهجري تقريبًا (١).

وهذا يعطي صورةً لما كان عليه جماعةٌ مِن الناسِ في تلك العصورِ.

وقولُ شاه ولي الله الدهلوي: "اعلم أنَّ الناسَ كانوا قبل المائةِ الرابعةِ غيرُ مجمعين على التقليدِ الخالصِ لمذهب بعينِه" (٢)، وقولُه أيضًا: "غيرَ أنَّ أهلَ المائةِ الرابعةِ لم يكونوا مجتمعين على التقليدِ الخالصِ على مذهبٍ واحدٍ، والتفقه له، والحكاية لقولِه؛ كما يظهر بالتتبع" (٣): إنْ كان يقصدُ بقولِه التقليدَ المذهبيَّ الذي انتشرَ في القرونِ التاليةِ لهذه العصور، فمسلَّمٌ، وإلا فقد وُجِدَ التمذهبُ بمذاهبِ الأئمةِ، والدعوة إليها، والقيام بنشرِها في نهايةِ القرنِ الثاني، وأوائل القرنِ الثالثِ الهجريين.

ويؤكّدُ ما ذكرتُه آنفًا: أنَّ الدهلويَّ نفسَه قرر في كتابِه: (الإنصاف في بيان سبب الاختلاف) (٤) أنَّ الناسَ في المائةِ الأُولى والمائةِ الثانيةِ غيرُ مجمعين على التقليدِ لمذهبٍ واحدٍ بعينِه.

ويقولُ الشيخُ محمدٌ الحجوي واصفًا الحالةَ العلمية في القرنِ الثالثِ الهجري: "إذا أَمْعَنْتَ النظرَ في تراجمِ هؤلاء الرجالِ، عَلِمْتَ صدقَ ما قلناه مِنْ دخولِ الفقهِ مدةَ القرنين: الثالث والرابع في طورِ الكهولةِ" (٥).

وقد بَرَزَ في القرنين: الثاني والثالثِ الهجريين أمورٌ، مِنْ أهمِّها:

الأمر الأول: نشأةُ المذاهبِ الفقهيةِ بعدَ منتصفِ القرنِ الثاني الهجري


(١) انظر: العبر في خبر من غبر للذهبي (١/ ٤٤٣)، و (٢/ ٣٨، ٧٥، ٧٦).
(٢) حجة الله البالغة (١/ ٤٦٨).
(٣) المصدر السابق.
(٤) انظر: (ص/ ٢٨).
(٥) الفكر السامي (٣/ ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>