للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خصمًا (١)، مع العلمِ أنَّ جُلَّ المسائلِ الخلافيةِ بين أرباب المذاهبِ مسائلُ اجتهادية، وقد كان أئمةُ المذاهب أنفسُهم وسائرُ المجتهدين يعذرون المخالفَ فيها (٢).

يقولُ ابنُ حزمٍ (ت: ٤٥٦ هـ) عن مالكيةِ الأندلسِ: "وأمَّا أهلُ بلدِنا، فليسوا ممَّنْ يتعنَّى بطلب دليلٍ على مسائلِهم ... فيَعْرِضُون كلامَ الله تعالى، وكلامَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - عَلى قولِ صاحبهم ... فإنْ وافقَ قولُ الله وقولُ رسولِه عليه السلام قولَ صاحبِهم أخذوه، وإنْ خالفاه تركوا قولَ الله تعالى جانبًا، وقولَه عليه السلام ظهريًا" (٣).

ويقولُ ابنُ الجوزي (ت: ٥٩٧ هـ): "رأيتُ جماعةً مِن المنتسبين إلى العلمِ، يعملون عَمَلَ العوامِّ، فإذا صلَّى الحنبليُّ في مسجدٍ شافعي، ولم يجهرْ، غَضَبَت الشافعيةُ، وإذا صلَّى شافعيُّ في مسجدٍ حنبلي، وجَهَرَ، غَضَبَت الحنابلةُ، وهذه مسألةٌ اجتهاديةٌ، والعصبيةُ مجرّدُ هوى يمنعُ منه العلمُ" (٤).

وقرّرَ بعضُ المتمذهبين عدمَ صحةِ الصلاةِ خلفَ المخالف في الفروع (٥)، بلْ تعدّى الأمرُ في أوائلِ المائةِ السادسةِ إلى وجودِ أربعةِ


(١) انظر: الإنصاف في بيان سبب الاختلاف للدهلوي (ص/ ٤١ - ٤٢)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ ٣٤٤)، والمدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد (١/ ١٠٦ - ١٠٧).
(٢) انظر: الإنصاف في بيان سبب الاختلاف للدهلوي (ص/ ٤٢).
(٣) الإحكام في أصول الأحكام (٦/ ١١٧ - ١١٨). وانظر: خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول لأبي شامة (ص/ ٩٩ - ١٠٠، ١٤٠)، وإعلام الموقعين (٤/ ١٢).
(٤) نقل كلامَ ابن الجوزي ابنُ مفلحٍ في: الفروع (٣/ ٢٢)، ومصطفى الرحيباني في: مطالب أولي النهى (١/ ٦٦٣).
(٥) انظر: الفروع لابن مفلح (٣/ ٢١)، والقول السديد للمُلّا فرُّوخ (ص/ ١٧٠)، وتاريخ الجدل لمحمد أبو زهرة (ص/ ٢٩٩)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ ٣٤٤)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ ٩٩)، وبين متبع ومقلد أعمى للدكتور عامر الزيباري (ص/ ٧٧، ٧٨).=

<<  <  ج: ص:  >  >>