للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقاماتٍ للمذاهبِ الأربعةِ في المسجدِ الحرامِ؛ ليؤدي أربابُ كلِّ مذهبٍ صلاتهم على حدة (١).

ولتصورِ مدى التعصب المذهبي واستفحالِ أمرِه في تلك القرون، أذكرُ ما جرى لأبي المظفرِ السمَعاني (ت: ٤٨٩ هـ) لمَّا انتقلَ إلى المذهبِ الشافعي وترك المذهبَ الحنفي، إذ اضطربَ الناسُ في إقليمِه، وماجت العوامُّ، وقَامَت الحربُ على ساقٍ! وظَهَرَتْ بوادرُ فتنةٍ بين أرباب المذهبين: الحنفي والشافعي، ووَرَدَ كتابٌ مِن السلطان إلى أبي المظفر يُشَدّدُ عليه بالرجوعِ إلى المذهبِ الحنفي، لكنَّ أبا المظفرِ لم يرجعْ إلى المذهبِ الحنفي، وانتقلْ إلى بلدٍ آخر (٢).

بلْ بَلَغَ التعصبُ المذهبي مِنْ بعضِ المنتسبين إلى المذاهبِ في تلك القرون أنْ يقول أحدُ أرباب المذهب الحنفي (٣): "لو كان لي أمرٌ لأخذتُ الجزيةَ مِن الشافعيةِ"! (٤).

وللتعصبِ صورٌ سآتي عليها في البابِ الثاني، إنْ شاءَ الله تعالى.


= يقول محيي الدين النووي في: روضة الطالبين (١/ ٣٤١): "ولو كان بقربه مسجدٌ قليل الجمع، وبالبعد مسجد كثير الجمع، فالبعيد أفضل، إلا في حالتين: ... والثاني: أنْ يكون إمام البعيد مبتدعًا - كالمعتزلي وغيره - قال المحاملي وغيرُه: وكذا لو كان الإمام حنفيًا؛ لأنه لا يعتقد وجوب بعض الأركان، بلْ قال أبو إسحاق: الصلاة منفردًا أفضل من الصلاة خلف الحنفي.
وهذا تفريع على صحة الصلاة خلف الحنفي ... ".
وانظر: جامع المسائل لابن تيمية (المجموعة الثامنة/ ٤٣٤ وما بعدها، و ٤٤٣ وما بعدها) فهو مهم.
(١) انظر: المعيار المعرب للونشريسي (١/ ٢٠٠)، والاتباع لابن أبي العز الحنفي (ص/ ٩٢)، والنوازل الجديدة الكبرى للوزاني (٢/ ٢٦٢).
(٢) انظر هذه الحادثة في: سير أعلام النبلاء (١٩/ ١١٦)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (٥/ ٣٤٠)، وطبقات الشافعية للإسنوي (٢/ ٢٩ - ٣٥)، وطبقات الففهاء الشافعية لابن قاضي شهبة (١/ ٢٥٧ - ٢٥٨).
(٣) هو: محمد بن موسى البلاساغوني الحنفي، قاضي دمشق.
(٤) انظر: ميزان الاعتدال للذهبى (٤/ ٥٢)، ولسان الميزان لابن حجر (٧/ ٥٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>