للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولُ الشيخُ محمدٌ الحجوي: "فغالبُ العلماءِ مِن المائة الثامنة إلى الآن، لم يُحْفَظْ لهم كبيرُ اجتهادٍ، ولا لهم أقوالٌ تعتبرُ في المذهبِ أو في المذاهبِ، وإنَّما هم نقَّالون اشتغلوا بفتحِ ما أغلقه ابنُ الحاجب، ثم خليلٌ، وابنُ عرفة، وأهلُ القرونِ الوسطى مِن المذاهبِ الفقهيةِ" (١).

ويقولُ الشيخُ محمدٌ أبو زهرة عن حالِ علماءِ بعضِ المذاهب بعدَ تقهقرِهم في الاجتهادِ المذهبي: "بعد أن انقضى دورُ التخريجِ جَمَدَ الَعلماءُ على المنقولِ، لا يتجاوزونه، وامتنعوا عن التصرّفِ، وصاروا يرجّحون ما ترجِّحُ الكتبُ، ويزَيّفون ما تُزيّف، وليس لهم فكرٌ إلا في استخراجِ العلمِ مِنْ بين دِفَّاتِها ... " (٢).

وازداد الأمر سوءًا مِنْ أوائلِ القرنِ العاشرِ الهجري، فـ "الحالُ قد تبدلتْ، والمعالمُ قد تغيرتْ، وأُعْلِنَ أنَّه لا يجوز لفقيهٍ أن يختارَ ولا أن يرجّحَ، وأنَّ زَمَنَ ذلك قد فاتَ، وحِيلَ بين الناسِ، وبين كتب المتقدمين" (٣)، وأُصيبَت العلومُ بالانحطاطِ (٤).

يقولُ الشيخُ صالحٌ الفلاني (ت: ١٢١٨ هـ): "لقد طُفتُ مِنْ أقصى المغرب، ومِنْ أقصى السودان إلى الحرمين الشريفين، فلم ألقَ أحدًا يُسأل عن نازَلةٍ، فيرجع إلى كتاب ربّ العالمين وسنةِ سيّدِ المرسلين وآثارِ الصحابةِ والتابعين، إلا ثلاثَةَ رجالٍ، وكلُّ واحدٍ منهم مقموعٌ محسودٌ، يبغضه جميعُ مَنْ في بلدِه مِن المتفقهين ... وموجِبُ العداوةِ والحسدِ تمسّكهم بالكتابِ وسنةِ إمامِ المتقين ... " (٥).


(١) الفكر السامي (٤/ ٣٩٢). وانظر: تاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينين (ص / ١٠٤).
(٢) الشافعي - حياته وعصره (ص/ ٣٣١).
(٣) تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ ٣٦٦).
(٤) انظر: خطط الشام لمحمد كرد علي (٤/ ٥١).
(٥) إيقاظ همم أولي الأبصار (ص/ ٩٢) ط/ دار الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>