للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللصحابةِ - رضي الله عنهم - مكانةٌ رفيعةٌ عند المسلمين، ويتحدّثُ ابنُ القيّمِ عن مكانتهم، فيقول: "لمَّا كان التلقي عنه - صلى الله عليه وسلم - على نوعين: نوع بواسطة، ونوع بغيرِ واسطةِ، و (١) كان التلقي بلا واسطةٍ حظَّ أصحابِه الذين حازوا قصباتِ السِّباقِ، واستولوا على الأَمَد، فلا مَطْمَعَ لأحدٍ مِن الأُمّةِ بعدَهم في اللحاقِ ... فأيّ خصلةِ خيرٍ لم يسبقوا إِليها؛ ! وأيّ خطةِ رُشْدٍ لم يستولوا عليها؟ ! الله لقد وَرَدُوا رأسَ الماءِ مِنْ عينِ الحياةِ عذبًا صافيًا زلالًا" (٢).

ويقول - أيضًا -: "ثمَّ قامَ بالفتوى بعده - أيْ: بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بَرْكُ (٣) الإِسلامِ، وعصابةُ الإِيمانِ، وعسكرُ القرآنِ، وجندُ الرَّحمنِ، أولئك أصحابه - صلى الله عليه وسلم -، أبر الأمةِ قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأحسنها بيانًا، وأصدقها إِيمانًا ... " (٤).

ويُبَيِّن أبو إِسحاقَ الشاطبيُّ احتفاءَ السلفِ وأربابِ المذاهب حين توافق أقوالُهم أقوال الصحابة - رضي الله عنهم -، فيقول: "إِنَّ السلفَ والخلفَ - مِنْ التابعين ومَنْ بعدهم - يهابون مخالفةَ الصحابةِ، ويتكثّرون بموافقتِهم، وأكثر ما تجدُ هذا المعنى في علومِ الخلافِ الدائرِ بين الأئمةِ المعتبرين، فتجدهم إِذا عيَّنوا مذاهبَهم قووها بذكرِ مَنْ ذَهَبَ إِليها مِن الصحابةِ، وما ذاك إِلَّا لما اعتقدوا في أنفسِهم وفي مخالفيهم مِنْ تعظيمهم، وقوّةِ مآخذهم دونَ غيرِهم، وكبر شأنِهم في الشريعةِ ... " (٥).

وقد نَقَلَ الصحابةُ - رضي الله عنهم - علمَهم إِلى التابعين - كما سَبَقَ بيانُه في الفصلِ الثاني - فكانوا أقربَ الناسِ بعد الصحابةِ إِلى مشكاةِ النبوةِ.


= لابن عبد البر (٢/ ٨٥٨ وما بعدها)، وإِعلام الموقعين (٢/ ١٨ وما بعدها).
(١) هكذا في: إِعلام الموقعين (٢/ ٨) بإثبات الواو، ولعل الأقرب حذفها؛ لتتم جملة الشرط.
(٢) المصدر السابق. وانظر: هداية الحيارى لابن القيم (ص/ ٢٧٥ وما بعدها).
(٣) للبَرْك عدة معان، أنسبها للسياق معنى: الصدر. انظر: مقاييس اللغة، مادة: (برك)، (١/ ٢٨٨)، والقاموس المحيط، مادة: (برك)، (ص / ١٢٠٤).
(٤) إِعلام الموقعين (٢/ ١٧ - ١٨).
(٥) الموافقات (٤/ ٤٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>