المجتهدِ، فقد أفردتُ له مسألةً مستقلةً، وقد تقدمَ الحديثُ عنها.
الخامسة: لا يدخلُ في حديثي في هذه المسألةِ العاميُّ الصِرْفُ؛ لأنَّ العاميَّ لا مذهبَ - كما تقدّمَ تقريرُه - وقد يُعَبِّر بعضُ العلماءِ بالعامي، ومرادهم به: مَنْ عدا المجتهد المطلق (١)، فيدخل فيه: المتمذهبون الذين لم يبلغوا رتبةَ الاجتهادِ المطلقِ، ممَّن ارتفعوا عن العوامِّ، وهم درجاتٌ متفاوتة.
• تحرير محل النزاع:
لا بُدَّ مِنْ تحريرِ محلِّ النزاع؛ لتحديد النقطةِ الَّتي وَقَعَ الخلافُ فيها، ولتحريرِ محلِّ النزاعِ في هذه المسَألةِ أهميةٌ بالغةٌ؛ لئلا يستغلَ بعضُ الناسِ ما قد يُوجدُ عند بعضِ العلماءِ مِن التحذيرِ مِنْ عملِ بعضِ المتمذهبين، فيجعل المرادَ به محاربة المذاهبِ على وجهِ العمومِ.
أولًا: قد يكونُ التمذهبُ عبارةً عن ملازمةِ مدرسةٍ فقهيةٍ أصوليةٍ يتخرَّجُ فيها المتمذهبُ، مترقيًا في العلمِ، مع عنايتِه بالدليلِ، وطلبِ القولِ الراجحِ، والتفقه في مذهبِه في ضوءِ الكتابِ والسنةِ.
ويظهرُ لي أنَّ هذه الحالة لا خلافَ في جوازِها، ويشهدُ لهذا: ما وَقَعَ في زمنِ صدرِ الصحابةِ - رضي الله عنه - مِنْ نشرِ العلمِ عن طريقِ التلاميذ الملازمين للصحابة - رضي الله عنهم -، الذين كانوا كالمدرسةِ الفقهيةِ، يقول ابنُ القيم: "الدِّينُ والفقهُ والعلمُ انتشر في الأمةِ عن أصحاب ابنِ مسعود، وأصحابِ زبد بن ثابت، وأصحابِ عبد الله بن عمر، وأصَحاب عبد الله بن عبَّاس، فعِلْمُ الناسِ عامّته عن أصحابِ هؤلاء الأربعة ... أَمَّا عائشة فكانتْ مقدَّمةً في العلمِ بالفرائضِ والأحكامِ، والحلالِ والحرامِ، وكان مِن الآخذين عنها الذين لا
(١) انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ ١٦٢)، وصفة الفتوى (ص/ ٧٢)، وسلاسل الذهب (ص/ ٤٥٥)، وغاية الوصول للأنصاري (ص/ ١٥٢)، والشرح الكبير على الورقات للعبادي (٢/ ٥٥٢)، ونثر الورود للشنقيطي (٢/ ٥٧٦).