للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجتهدين بين شخصٍ وشخصٍ، فمالكٌ والليثُ بن سعد والأوزاعيُّ والثوريُّ، هؤلاءِ أئمةٌ في زمانِهم، وتقليدُ كلِّ منهم كتقليدِ الآخر" (١).

خامسًا: لو أرادَ شخصٌ أن يتمذهبَ بمذهبٍ مندثرٍ، فإنَّه سيواجه صعوبةً كبيرةً؛ وذلك لعدمِ تدوينِ أصولِ هذه المذاهب، ولعدمِ وجودِ ثروةٍ فقهيةٍ مدوّنةٍ فيها، بحيثُ تنتظمُ منظومةً مذهبيةً متكاملةً.

يقولُ شمسُ الدّينِ الذهبي عن المذاهب المندثرةِ: "لم يبقَ اليومَ إلا هذه المذاهبُ الأربعةُ، وقلَّ مَنْ ينهضُ بمعرفتِها كما ينبغي، فضلًا عن أنْ يكونَ مجتهدًا" (٢).

سادسًا: أغلبُ أقوالِ أئمةِ المذاهبِ المندثرةِ، أو كثيرٌ منها، موافقةٌ لأقوالِ المذاهبِ الأربعةِ؛ ولعلَّ مردّ هذا إلى تخرّجِ أئمةِ المذاهبِ - الباقية والمندثرة - مِنْ مدارس فقهيةٍ متقاربةٍ.

وقد نَقَلَ تقيُّ الدّينِ بن تيميةَ عن أبي الحسنِ الكَرَجِي (٣) - أحد أئمةِ الشافعيةِ مِن كتابِه: (الفصول في الأصول)، ولم يتعقبه - قولَه: "ثمَّ اندرجتْ مذاهبُهم الآخرة - أي: المذاهب المندثرة - تحتَ مذاهبِ الأئمةِ المعتبرةِ، وذلك أن ابنَ عيينة كان قدوةً، ولكنْ لم يُصنّفْ في الذي كان يختارُه مِن الأحكامِ، وإنَّما صنّف أصحابُه: وهم الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، فاندرج مذهبُه تحتَ مذاهبِهم.


(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢٠/ ٥٨٤)، و (٢٣/ ٣٩٨) فقد ورد نص كلامه في الموضعين.
(٢) سير أعلام النبلاء (٨/ ٩٢).
(٣) هو: محمد بن أبي طالب عبد الملك بن محمد الكرجي، أبو الحسن، ولد سنة ٤٥٨ هـ كان من فضلاء وقته، فقيهًا محدثًا مفتيًا، أديبًا شاعرًا، ثقةً زاهدًا ورعًا، أفنى عمره في جمع العلم ونشره، صنف تصانيف في التفسير وفي مذهب الشافعية، منها: الذرائع في علم الشرائع، والفصول في اعتقاد الأئمة الفحول، توفي سنة ٥٣٢ هـ. انظر ترجمته في: طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح (١/ ٢١٥)، والعبر في خبر من غبر للذهبي (٢/ ٤٤٣)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (٦/ ١٣٧)، وطبقات الشافعية للإسنوي (٢/ ٣٤٨)، وطبقات الشافعية لابن كثير (٢/ ٥٧١)، وشذرات الذهب لابن العماد (٦/ ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>