للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقولُ الحافظ ابنُ رجبٍ مستدلًا على لزومِ حصرِ الناسِ في المذاهبِ الأربعةِ: "فإنَّ قالَ أحمق متكلِّفٌ: كيفَ يُحصرُ الناسُ في أقوال علماء مُعَينِين (١)، ويُمْنَعُ مِن الاجتهادِ أو مِنْ تقليدِ غيرِ أولئك مِنْ أئمةِ الدَّينِ؟

قيلَ له: كما جَمَعَ الصحابةُ - رضي الله عنهم - الناسَ على حرفٍ واحدٍ مِنْ حروفِ القرآنِ، ومنعوا الناسَ مِن القراءةِ بغيرِه في سائرِ البلدانِ؛ لمَّا رأوا أن المصلحةَ لا تتمُّ إلا بذلك، وأنَّ الناسَ إذا تُرِكوا يقرؤون على حروفٍ شتّى وقعوا في أعظمِ المهالكِ" (٢).

وقد بيّن شمسُ الدّينِ الذهبي شأنَ اتفاقِ أئمةِ المذاهبِ الأربعةِ على حُكمٍ، فقالَ: "لا يكادُ يُوجدُ الحقُّ فيما اتفق أئمةُ الاجتهادِ الأربعةِ على خلافِه، مع اعترافنا بأنَّ اتفاقَهم على مسألةٍ لا يكون إجماعَ الأمةِ، ونهابُ أنْ نجزمَ في مسألةٍ اتفقوا عليها بأنَّ الحقَّ في خلافِها" (٣).

تاسعًا: يُفهمُ مِنْ كلامِ العلماءِ آنف الذِّكرِ أنَّ تركَ التمذهبِ بمذهبٍ مندثرٍ؛ لأمرين:

الأمر الأول: أن المذهبَ المندثرَ لم يُحَرّرْ ولم يُهَذبْ ولم يُنَقحْ.

الأمر الثاني: أن القولَ الراجحَ في الغالبِ لا يَعْدو المذاهبَ الأربعةَ.

في ضوءِ ما سَبَقَ، فالأَوْلى عدمُ التمذهب بمذهبٍ مندثرٍ؛ وأنَّ المرءَ إذا أرادَ أنْ يتمذهبَ بمذهبٍ فقهي، فالأَولىَ له أنْ يختارَ أحدَ المذاهب الأربعةِ؛ لتوافر العلماءِ على خدمتِها، بحيثُ يصبحُ المتمذهبُ بأحدِها على بصيرةٍ مِنْ أمرِ مذهبِه في الأصولِ والفروعِ.


(١) في المطبوع من: الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (ص/ ٣٠): "متعينين"، وأثبت ما في نسخة أخرى كما في حاشية الكتاب.
(٢) المصدر السابق.
(٣) سير أعلام النبلاء (٧/ ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>