للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنبّه إلى أن بعضَ العلماءِ علّلَ عدمَ أخذِ أقوالِ المذاهب المندثرةِ بأنَّها نُقِلَت إلينا بطريقِ الآحادِ، ولا تحصلُ الطمأنينةُ بهذا النقلِ (١).

وهذا التعليلُ بمفردِه فيه نظرٌ؛ إذ أقوالُ النبي - صلى الله عليه وسلم - تثبتْ بنقلِ الواحدِ، فكيفَ يُقالُ بثبوتِ قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بطريقِ الآحادِ - وهو أعظم شأنًا - وبعدمِ ثبوتِ قولِ العالمِ إذا نُقِلَ بطريقِ الآحادِ؟ !

ثامنًا: نصَّ غيرُ واحدٍ من الأصوليين على انحصارِ الحقِّ في أقوالِ المذاهب الأربعةِ - وليس حديثي هنا عن مسألةِ انحصارِ الحقّ فيها - ويرتبطُ القولُ بانحصارِ الحقّ في المذاهب الأربعةِ بمسألةِ: (حكم التمذهبِ بمذهبِ مندثرٍ)؛ لأنَّ القائلَ بانحصارِ الحَقِّ فيها لا يَرَى حاجةً إلى الأخذِ بقولِ إمامِ مذهبِ مندثرٍ، فضلًا عن التمذهبِ بمذهبِه والتزامه.

يقولُ بدرُ الدّينِ الزركشي: "وقد وَقَعَ الاتفاقُ بين المسلمين على أن الحقَّ منحصرٌ في هذه المذاهب - أي: المذاهب الأربعة - وحينئذٍ، فلا يجوزُ العملُ بغيرِها" (٢).


(١) انظر: نهاية المراد لعبد الغني النابلسي (ص/ ١٥).
(٢) البحر المحيط (٦/ ٢٠٩). وانظر: الإفصاح لابن هبيرة (٢/ ٣٤٣)، ورسالة الاجتهاد والتقليد لحمد بن معمر (ص/٨٢).
وحكاية الاتفاق على انحصار الحق في المذاهب الأربعة محلَّ نظر؛ لوجود مَنْ قال بعدم انحصار الحق فيها، يقول تقي الدين بن تيمية في: منهاج السنة النبوية (٣/ ٤١٢): "إنَّ أهل السنة لم يقلْ أحدٌ منهم: إنَّ إجماعَ الأئمة الأربعة حجةٌ معصومةٌ، ولا قال: إنَّ الحق منحصر فيها، وإنَّ ما خرج عنها باطل، بلْ إذا قال مَنْ ليس مِنْ أتباع الأئمة - كسفيان والأوزاعي والليث بن سعد ومَنْ قبلهم ومَنْ بعدهم من المجتهدين - قولًا يخالف قول الأئمة الأربعة: رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله".
وأنبه إلى أن أحمد الصاوي قال في: حاشيته على تفسير الجلالين (٣/ ٩) قولًا شنيعًا، وحاصله أنَّه لا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافق قولَ الصحابي والحديثَ الصحيح والآيةَ! فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل! وربما أداه إلى الكفر؛ لأنَّ الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر!
وقد ردّ على الصاوي قوله الشنيع ودعواه الباطلة الشيخُ محمد الأمين الشنقيطي في: أضواء البيان (٧/ ٤٦٧ - ٤٧٦)، والشيخ أحمدُ آل بوطامي في: تنزيه السنة والقرآن (ص/ ١٧١ - ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>