للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابعة: لم أقفْ - في ضوءِ ما اطلعت عليه مِنْ مصادر - على دليلٍ يدلُّ على إغلاقِ باب الاجتهادِ المستقل، إلا أن مِن القائلين بإغلاقه مَنْ رأى في القولِ به حمايةً لأصولِ الشريعةِ الإسلاميةِ مِنْ أنْ يأتي من يُغَيّر فيها؛ مدعيًّا أنه مجتهد (١).

الخامسة: لو أرادَ المتمذهبُ الانتقالَ عن التمذهب إلى درجةِ الاجتهادِ المستقلّ؛ لاجتماعِ شروطِ الاجتهادِ فيه، فالذي يَظهرُ لي أنَّ لانتقالِه صورتين:

الصورة الأولى: أنْ يكوِّنَ لنفسِه أصولًا وقواعد يسيرُ عليها، مخالفةً لما استقرتْ عليه أصولُ المذاهبِ.

الصورة الثانية: أنْ لا يكوِّنَ لنفسِه أصولًا وقواعد مخالفةً لما استقرت عليه أصول المذاهب، بلْ يسير على الأصولِ المدوّنة، لكنَّه يأخذ بما ترجَّحَ عنده مِنْها، دونَ التزامِ أصولِ مذهبٍ معيّنٍ.

الصورة الأولى: أنْ يكوِّنَ لنفسِه أصولًا وقواعد يسيرُ عليها مخالفةً لما استقرتْ عليه أصولُ المذاهبِ.

الذي يظهرُ لي في هذه الصورة هو المنعُ وعدمُ الجوازِ؛ لأنَّ الأصولَ والقواعد مدوَّنةٌ، ولا يمكن أنْ يكون هناك أصولٌ صحيحةٌ خَلَتْ عنها المذاهبُ الفقيهةُ طوال قرون متطاولة.

يقول ابنُ بَرهان: "أصولُ المذاهب وقواعدُ الأدلةِ منقولةٌ عن السلفِ، فلا يجوزُ أنْ يُحدثَ في الأعصارِ خلافُهَا" (٢).

ويقولُ ابنُ المنيِّرِ المالكي: "أتباعُ الأئمةِ الآن حازوا شروطَ الاجتهادِ، مجتهدون ملتزمون أنْ لا يحدثوا مذهبًا، أمَّا كونهم مجتهدون؛ فلأنَّ الأوصافَ قائمةٌ بهم، وأما كونهم ملتزمين أن لا يحدثوا مذهبًا؛ فلأنَّ


(١) انظر: سد باب الاجتهاد لعبد الكريم الخطيب (ص/١٣٧).
(٢) نقل السيوطيُّ كلامَ ابن برهان في: الرد على من أخلد إلى الأرض (ص/ ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>