للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإِذا زلَّ حُمِلَتْ زلتُه عنه - قولًا كانت أو فعلًا - لأنَّه موضوع منارًا يُهتدى به، فإِنْ عَلِمَ كونَ زلتِه زلةً صغرت في أعينِ الناسِ ... وتوهموا فيها رخصةً ... " (١).

وألفاظُ أبي إِسحاقَ الأخيرة مشعرةٌ بالتفريقِ بين الرخصةِ، والزلةِ.

ويقولُ ابنُ القيِّم: "إِذا عُرِفَ أنَّها زلةٌ لم يجزْ له أنْ يَتَّبِعَه فيها باتفاقِ المسلمين؛ فإِنَّه اتباعٌ لَلخطأِ على عمدٍ" (٢).

ومِنْ خلالِ تأمَّلِ المواطنِ الَّتي وَرَدَ فيها التحذيرُ مِنْ زلةِ العالمِ، ومِنْ بيانِ بعضِ العلماءِ للمقصودِ بالزّلةِ في باب عصمةِ الأنبياءِ، ومِنْ خلالِ تأمّلِ كلامِ الشاطبي وابنِ القيّم، يظهرُ لي أنَّ الَمقصودَ بزلةِ العالمِ: القولُ الصادرُ عن المجتهدِ، الَّذي أخطأ فيه عن غيرِ قصدٍ.

ومِن الألفاظِ المرادفةِ لزلةِ العالم: عثرةُ العالمِ؛ وقد جاءَ عن ابنِ عبَّاس - رضي الله عنهما - التحذير مِنْ عثراتِ العلماءِ، وجاءتْ رواية أخرى عنه، ولفظها: (ويلٌ للأتباعِ مِنْ زلةِ العالمِ). قيل له؛ وكيفَ ذلك؟ قال: (يقولُ العالمُ الشيءَ برأيه، فيلقى مَنْ هو أعلمُ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - منه، فيخبره، ويرجع، ويقضي الأتباعُ بما حَكَمَ) (٣).

الفرق بين زلة العالم، والرخصة:

بناءً على ما تقدم قبل قليل، فإِنَّه يمكنُ القولُ بأنَّ زلةَ العالم، والرخصةَ يجتمعانِ في أنَّ كلًّا منهما توصفُ به أقوالُ المجتهدِ.

ويفترقانِ في أنَّ الزّلةَ هي القولُ الَّذي أخطًا فيه المجتهدُ، سواءٌ أكانَ قولًا ثقيلًا، أم خفيفًا.

أمَّا الرخصةُ، فهي القولُ السهلُ اليسير، سواءٌ أزلَّ فيه المجتهدُ، أم لا، وسواءٌ أأخطأَ فيه، أم لا.


(١) الموافقات (٤/ ٨٨).
(٢) إِعلام الموقعين (٣/ ٤٥٤).
(٣) تقدم تخريج الأثر في: (ص/ ٨٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>