للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قيل: قوله "عن يمين الرحمن" معناه عن يمين عرش الرحمن على طريقة العرب في الحذف والإضمار، كما قال تعالى {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: ٩٣] معناه حبّ العجل، وكما قال الشاعر:

واستب بعدك يا كليب المجلس.

يعني أهل المجلس.

قيل: هذا غلطٌ، لوجوه أحدها: قوله "وكلتا يديه يمين" وهذا يدل على أنَّ ذلك صفة ترجع إلى ذاته، لأن العرش لا يوصف باليدين.

الثاني: أن اليمين إذا أضيفت إلى الذات اقتضت إضافة صفة، ولهذا إذا قيل: وقف الوزير على يمين الخليفة، إنما يعقل منه يمينه التي هي من صفته.

الثالث: أن حمله على ذلك يقتضي إضمارًا في الخبر، وهو ذكر العرش والإضمار ترك حقيقة.

فإن قيل: قوله "عن يمين الرحمن" المراد به المنزلة الرفيعة والمحل العظيم، لأنهم يقولون: كان فلان عندنا باليمين، أي كان عندنا بالمحلِّ العظيم والمنزلة الرفيعة، قال الشاعر:

أقولُ لناقتي إذ بَلَّغَتني … لقد أصبحت عندي باليمين

أي بالمحلِّ الجليل.

قيل: هذا غلط، لأنَّه لو أراد ذلك لقال: المقسطون في يمين الرحمن، معناه في المنزلة الرفيعة، لأنَّه يُقال: فلان عندنا في المنزلة الرفيعة، ولأنه قال "وكلتا يديه يمين" فلو كان المرادُ به المنزلة، لم يكن لذكر اليد معنى.

فإن قيل: حمله على ظاهره يستحيل على الله سبحانه، لأنه يؤدي إلى وصفه بالحد والجهة.

<<  <   >  >>