الفصل الثاني قوله "لا يَزالُ الله مُقْبلًا على عَبِدِه مَا لم يَلْتفت، فإذا التَفَتَ أعْرَضَ عنه"
فلا يمتنع حمله على ظاهره، وأنَّ ذاته مُقْبلةٌ عليه، إذ ليس في حمله على ذلك ما يحيل صفاته، لأنَّا لا نثبتُ إقْبال انتقال، ولا إعراضًا بمعنى الانْصِراف عن ذلك، كما حَمَلْنا تجلِّيه للجبل على ظاهره، ولم يُوجب ذلك حمله على انتقال.
فإن قيل: هذا محمولٌ على أنَّه لا يزال خيره مُقْبِلًا عليه، كما يقول القائل: إنَّ الأمير أَقْبَلَ على فلان وقَرَّبه، أي انصرف خيره وثوابه، كما يقال: صرف الأمير وجهه عن فلان، إذا قَطَعَ خيره عنه، ولم يحسن إليه.
ويحتمل أنْ يكونَ معناه: لا يزال توفيق الله للعبد ما لم يُعرض، فإذا أَعرضَ أعرض عنه، يعني قطع التوفيق واللطف، وهو معنى قوله:{ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[التوبة: ١٢٧]. معناه: لَمَّا صَرَفَ الله قلوبهم عن الخير بقطع التوفيق واللطف، انْصَرَفت قلوبهم عن الخير (١).
قيل: هذا غَلَطٌ، لما بَينَّا وهو أن ثوابه لا يختص بالمصَلِّي، وكذلك قَطْعُ الثواب لا يختص بمن التفتَ في صلاته، لان غير المُلْتَفِت - من الغائب - في صلاته يقطع ثوابه، فيجب أنْ لا يكون لهذا التخصيص فائدة إلا ما ذكرنا.