ولكن المتردد منا وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبه الأمور، ولا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا، فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. ثم هذا باطل، فان الواحد منّا يتردد لعدم العلم بالعواقب، وتاره لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه. قال: وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس، هو من هذا الباب، وفي الصحيح: "حفت النار بالشهوات وحفت الجنْة بالمكاره" وقال تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} الآية. قال: "الله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت، فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق من قضائه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مرادا للحق من وجه، مكروها له من وجه وهذا حقيقة التردد، وهو: أن يكون الشيئ الواحد مرادًا من وجه مكروهًا من وجه، وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين … إلى آخر كلامه -رَحِمَهُ اللهُ- في مجموع الفتاوى (١٨/ ١٢٩ - ١٣١).