للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[فصل في الدلالة على أنه لا يجوز الاشتغال بتأويلها وتفسيرها]

من وجوه أحدها: أن آي الكتاب قسمان: أحدهما محكم تأويله تنزيله يفهم المراد منه بظاهره. وقسم هو متشابه لا يعلم تأويله إلا الله، ولا يوقف على معناه بلغة العرب، بدليل قوله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} وقوله {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} فالواو ها هنا للاستئناف وليست عاطفة.

كذلك أخبار الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاريةٌ هذا المجرى، ومُنزَّلة على هذا التنْزيل، منها البيِّن المستقل في بيانه بنفسه، ومنها ما لا يوقف على معناه بلغة العرب.

فإن قيل: من أصحابنا من قال: لا متشابه في القرآن إلا والراسخون في العلم يعلمون تأويله، والواو ها هنا للعطف على قوله {إِلَّا اللَّهُ} وقد ذكر هذا ابن قتيبة (١) في كتابه المسمى بـ"المشكل" (٢) فسقط هذا الدليل.

قيل: هذا قول يخالف إجماع الصحابة.


(١) هو الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو محمد الكاتب الدينوري، قال الخطيب: وكان ثقة دينًا فاضلًا، وهو صاحب التصانيف المشهورة، والكتب المعروفة منها: "غريب القرآن"، و"غريب الحديث"، و"مشكل القرآن"، و"مشكل الحديث"، و"أدب الكتاب"، و"عيون الأخبار"، وغير ذلك. مات سنة سبعين ومائتين.
(تاريخ بغداد ١٠/ ١٧٠، السير ١٣/ ٢٩٦ - ٣٠٢).
(٢) مشكل القرآن (ص ٩٨ - ٩٩) حيث قال: ولسنا ممن يزعم أن المتشابه في القرآن لا يعلمه الراسخون في العلم، وهذا غلط من متأوليه على اللغة والمعنى، ولم ينزل الله شيئًا من القرآن إلا لينفع به عباده، ويدل به على معنى أراده.
فلو كان المتشابه لا يعلمه غيره، للزمنا للطاعن مقالٌ، وتعلق علينا بعلَّة، وهل يجوز لأحد أن يقول: إن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم يكن يعرف المتشابه! وإذا جاز أن يعرفه مع قول الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}، جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته، فقد علَّم عليًّا التفسير، ودعا لابن عباس وما قاله حق، وسيأتي مزيد من البيان برقم (١٢).

<<  <   >  >>