للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَمَّا قوله "كنت سمعه وبصره ويده ورجله"معناه: كنت له في العَوْنِ والنُّصْرة، كبصره ويده ورجله التي هي عون له على البَطش، كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠] بالنُّصرة والعَون.

والذي يدل عليه ما تقَدمَّ في أَوَّلِ الخبر من قوله "من عَادىَ لي وليًا فقد آذنته بالحرب" فاقْتَضىَ ذلك أنَّ من أَطَاعه بكثرةِ النَّوافل، كنتُ له عَونًا وناصرًا (١).

وأَمَّا قوله "ما تَرَددت عَنْ شيئٍ ترددي عنْ نَفْسِ المؤْمنِ" لا يمتنع حمله على ظاهره، وأنَّه صِفَة له، لا على معنى التَّردُّدِ الذي هو الفِكْرِ والتَّأمل، بل نُطلق القول فيه كما أطلقنا القولَ في الغضب، لا على معنى نُفُور الطَّبع، والرِّضَا لا على معنى مَيْلِ الطَّبع، بل أطلقنا صفته بذلك، كذلك ها هنا (٢).


(١) ومن المعاني الصحيحة في قوله "كنت سمعة الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به .. " أن كُليَّته مشغولة بي، فلا يصغي بسمعه إلا ما يرضيني، ولا يرى ببصره إلا ما أمرته به.
وقال ابن هبيرة: هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضاف والتقدير: كنت حافظ سمعه الذي يسمع به، فلا يسمع إلا ما يحلّ استماعه، وحافظ بصره كذلك إلخ، وبنحوه قال الخطابي، انظر الفتح (١١/ ٣٤٤).
وأما الاتحادية الملاحدة فزعموا أنه على حقيقته!! وأن الحق سبحانه عين العبد!! واحتجوا بمجي جبريل في صورة دحية، قالوا: فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر!! قالوا: فالله أَقْدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو بعضه!! تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا!
(٢) وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- عن معني "تردد الله" في الحديث، فقال: "هذا حديث شريف، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد ردّ هذا الكلام طائفة وقالوا: إن الله لا يوصف بالتردد! إنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب. وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة المتردد. والتحقيق: أن كلام رسول -صلى الله عليه وسلم- حق، وليس أحدٌ أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة منه، ولا أفصح ولا أحسن بيانًا منه، فإذا كان كذلك، كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس وأجهلهم وأسوئهم أدبًا، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام =

<<  <   >  >>