مادحًا إذا أجملت النفي فقلت: أنت لست مثل أحد من رعيتك، أنت أعلى منهم وأشرف وأجل، فإذا أجملت في النفي أجملت في الأدب.
والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية، هو سبيل أهل السنة والجماعة، والمعطلة يعرضون عما قاله الشارع من الأسماء والصفات، ولا يتدبرون معانيها، ويجعلون ما ابتدعوه من المعاني والألفاظ هو المحكم الذي يجب اعتقاده، وأما أهل الحق والسنة والإيمان، فيجعلون ما قاله الله ورسوله هو الحق الذي يجب اعتقاده واعتماده.
والذي قاله هؤلاء إما أن يعرضوا عنه إعراضًا جمليًّا، أو يبينوا حاله تفصيلًا، ويُحكم عليه بالكتاب والسنة اهـ (١).
فالحاصل أن هؤلاء النفاة سلكوا طريقًا غير شرعي، فوقعوا فيما وقعوا فيه، وأكثر نفيهم المذكور ليس متلقي عن الكتاب والسنة بل هو من وضع أهل الكلام.
وقد ظن بعض أهل السنة، صحة بعض الأصول العقلية للنفاة الجهمية، فشاركوهم فيها، وذكروها في كتبهم، مع تعظيمهم لمذهب السلف.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام نفيس في هذا فهو يقول:
فإن قيل: قلتَ إن أكثر أئمة النفاة من الجهمية والمعتزلة كانوا قليلي المعرفة بما جاء عن الرسول، وأقوال السلف في تفسير القرآن وأصول الدين، وما بلَّغوه عن الرسول، ففي النفاة كثيرٌ ممن له معرفة بذلك.
قيل: هؤلاء أنواع: نوع ليس لهم خبرة بالعقليات، بل هم يأخذون ما قاله النفاة عن الحكم والدليل، ويعتقدونها براهين قطعية، وليس لهم قوة على
(١) شرح ابن أبي العز علي الطحاوية (ص ١٠٩ - ١١٠)، وانظر "درء تعارض العقل والنقل" (١/ ص ١٠٥) وما قبلها.