للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حمله على ذلك لما تقدم في الحديث الذي قبله، وأنَّ فيه ما دلَّ على أنَّ النفس مخلوقةً، لأنه أضافه إلى الريح، والريح مخلوقة من جهة أنها مأمورة بالرحمة والعذاب، فوجب حملُ هذه المطلق على ذلك.

٢٤٦ - ورأيت في بعض مكاتبات ابن بطة إلى بعض أصدقائه وقد ذكر هذين الخبرين حديث جابر "إذا رأيتم الريح فلا تسبوها" وحديث أبي هريرة "أجد نفس ربكم" وحكى كلام ابن قتيبة في ذلك، فقال: أنت في نفس من أمرك أي في سعة، وقوله "من نفس الرحمن" معناه أنها يُفَرِّج بها الكرب، ويُذْهب بها الجدب، يقال: اللهم نَفَّس عني أيَّ: فرَّج عني، وذكر كلامًا طويلًا (١).

ثم قال ابن بطة بعده: ومما يشهد لصحة هذا التأويل، وأنَّ الريح من نفس ربكم إنما أراد بالنفس: الفرج والروح، ما سمعت أبا أبا بكر بن الأنباري يقول: إنما سُمِّيت الريح ريحًا، لأنَّ الغالب عليها في هبوبها المجيء بالروح والراحة،


(١) لم أجد كلام ابن قتيبة في "غريب الحديث"، وفي "تأويل مختلف الحديث" (ص ١٤٣) يقول: قالوا رويتم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن" وينبغي أن تكون الريح عندكم غير مخلوقة، لأنه لا يكون من الرحمن جل وعز شيء مخلوق. قال: ونحن نقول: إنه لم يرد بالنَّفس ما ذهبوا إليه، وإنما أراد أن الريح من فرَج الرحمن -عز وجل- ورَوْحه، يقال: اللهم نفِّس عني الأذى، وقِد فرج الله عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالريح يوم الأحزاب، وقال تعالى {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}.
وكذلك قوله "إني لأجد نفس ربكم من قِبَل اليمن"، وهذا من الكناية، لأن معنى هذا أنه قال كنت في شدةٍ وكرب وغم من أهل مكة، ففرَّج الله عني بالأنصار، يعني أنه يجد الفرج من الأنصار -وهم من اليمن- فالريح من فرج الله تعالى وروحه، كما كان الأنصار من فرج الله تعالى. وقد بينت هذا في كتاب "غريب الحديث" بأكثر من هذا. اهـ.
قلت: ولم أجده في المطبوع في مظنته والله أعلم. وانظر الكلام على الأحاديث السابقة في "النهاية" لابن الأثير (٥/ ٩٣ - ٩٤).

<<  <   >  >>