وجواب آخر: وهو أنَّه لو جاز أنْ يُحمل قوله: "أبدى عن بعضه" على بعض آياته لوجب أنْ يُحمل قوله: "وإذا أرادَ أن يُدمر تجلى لها" على جميع آياته، ومعلومةٌ أنَّه لم يدمر قريةً بجميع آياته، لأنه قد أهْلك بلادًا، كل بلدٍ بغير ما أهلك به الآخر.
وأما قوله "تجلى لها" فهو راجعٌ إلى تَجَلِّي الذات، كما حملنا التجلي للجبل أنَّه تجلى ذات حين تقطع الجبل، كذلك ها هنا.
فإن قيل: يحمل قوله "تجلى لها" معناه آياته وأفعاله، لأنّ معنى التجلي هو: الظهور، ولهذا يقال: جَلَوْتُ السَّيفَ وجَلَوتُ العَرُوسَ، إذا أظْهَرْتَها وأَبْرَزَتَها، ومنه قول القائل:
تجلى لنا بالمشْرَفيِّة والقَنَا.
يعني: بالسيوف والرماح (١).
قيل: هذا غلطٌ، لأنَّ إنْ جازَ تأويل الخبر على إظهار آياته، جاز تأويل تجليه للجبل على ظهور آياته، وَلمَّا حملوا ذلك على ظاهره، لم يمتنع أيضًا حمل هذا التجلي على ظاهره، إذ ليس في إضافة التجلي إليه ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه، لأنَّا نطلق ذلك من غير انتقالٍ، ولا فراغ مكان وشغل مكان آخر، وكذلك قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} [القيامة: ٢٢ - ٢٣] محمول على ظاهره في رؤية الذات لا الأفعال.
* * *
(١) انظر هذا التأويل والذي قبله في "مشكل" ابن فورك (ص ١٠١ - ١٠٢).