للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فذكر أهل العلم أن ذلك إظهارُ غاية الخوف والخشية، حتى يسأل ما لا يكون، أنْ لو كان مما يكون، حتى لا يفوته التَّضرع بكل وجه في طلب ما يكون.

وأمَّا قوله: "لئن قَدِرَ علي ربي ليعذبني" فلا يمكن حمله على معنى القدرة، لأنَّ من توهم ذلك لم يكن مُؤمنًا بالله عزَّ وجلّ ولا عارفًا به، وإنَّما ذلك على معنى قوله تعالى في قصة يونس: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: ٨٧]. وذلك يرجع إلى معنى "التَّقدير" لا إلى معنى "القُدرة" لأنَّه لا يصح أن يخفى على نبي معصوم ذلك.

٣٨٩ - وقال الفَرَّاء في تأويل قوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: ٨٧]. أي أنْ لن يقدر عليه ما قَدَرنا (١).

فعلى هذا يحمل قوله: "لئن قَدِرَ علي ربي ليعذبني" أي إنْ كان قدر: أي حكم علي بالعقوبة فإنّه يعاقبني دائمًا، وهذا كلام خائفٍ جَزعٍ، فوجب حمل كلامه على وجه صحيح، لا ينافي المغفرة ولا يؤدي إلى الكفر (٢).

* * *


= وهذا سند صحيح، أبو حكيمة وهو الجمال، ترجم له ابن أبي حاتم (٩/ ٣٦٣) ونقل عن ابن معين أنه قال: أبو حكيمة ثقة.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٤/ ٦٦١) إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
وورد نحوه عن ابن مسعود وشقيق بن سلمة أبي وائل بأسانيد صحيحة، انظر المصدر السابق.
(١) في معاني القرآن المطبوع (٢/ ٢٠٩): أن لن نقدر عليه من العقوبة ما قَدَرنا.
(٢) وبنحوه قال الحافظ في الفتح (٦/ ٥٢٣) فقد قال: وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دَهْشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول، ولم يقله قاصدًا لحقيقةِ معناه، بل في حالةٍ كان فيها كالغافل والذَّاهل والناسي الذي لا يُؤاخذ بما يصدر منه، وأبعد الأقوال قول من قال إنه كان شرعهم جواز المغفرة للكافر؟!

<<  <   >  >>