والثاني: أنَّه على صِفة يَبينُ بها عن غيره ويتميز، ولهذا سُمِّي البوَّاب حدادًا، لأنَّه يمنع غيره عن الدخول، فهو تعالى فَرْد واحد ممتنع عن الإشتراك له في أَخصِّ صفاته.
وقد منعنا من إطلاق القول بالحدِّ في غير موضعٍ من كتابنا، ويجب أنْ يجوز على الوجه الذي ذكرنا.
ويجب أنْ يحمل اختلاف كلام أحمد في إثبات الحدِّ، على اختلاف حالين: فالموضع الذي قال إنَّه (على)(١) العرش بحدٍّ، معناه: أن ما حاذى العَرش منْ ذَاته هو حدّ له، وجِهَة له.
والموضع الذي قال: هو على العرش بغير حَدٍّ، معناه: ما عَدَا الجهة المُحَاذِية للعَرش، وهي الفوق والخلف والأمام واليمنة واليسرة، وكان الفرق بين جهة التحت المحاذية للعرش، وبين غيرها مما ذكرنا: أن جهة التحت تُحاذي العرش بما قد ثَبَتَ من الدليل، والعرش محدود، فجاز أنْ يُوصف ما حَاذَاه من الذَّات أنَّه حد وجهة.
وليس كذلك فيما عَدَاه، لأنَّه لا يُحاذي ما هو مَحدود، بل هو ما دلَّ في اليمنةِ واليسرةِ والفَوقِ والأَمامِ والخلفِ إلى غير غاية، فلهذا لم يُوصف واحد من ذلك بالحدِّ والجهة.
وجهة العرش تحاذي ما قابله من جهة الذَّات، ولم يُحاذِ جميع الذات، لأنه لا نهاية لها.
فإنْ قيل: هل العرش والكرسي إسْمان لشيءٍ واحد، أم لشيئين؟