وأجابَ عن قوله تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر: ١٠] وليس على معنى صعودٍ من سُفْلٍ إلى عُلُو، لاستحالة ذلك على الكلام! لأنَّه عَرَض لا يَبقى! وكذلك العمل الصالح، وإنما معنى صُعُود الكلام الطَّيب: قَبُوله، ووقوعه عنده موقع الجزاء والثَّواب، وقوله {يَرْفَعُهُ} لا على معنى رفع من مكانٍ إلى مكان، لكن على معنى أنَّه يقبل العمل الصَّالح!
وقوله في قِصة عيسى {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}[النساء: ١٥٨] معناه رفعه إلى الموضع الذي لا يُعْبد فيه إلا الله، ولا يُذكر فيه غيره، لا على أنَّه ارتفع إليه كما يرتفع الجسم من سفل إلى علو!!
وهذا غَلَط، لأنَّه لا يمتنع صُعُودُ الكلام الطَّيب والعمل الصالح مَكْتُوبًا، لأنَّ الرَّقيبَ والعَتيدَ يَكتبان القول والفعل ويَرفَعَانِهما، وهذا كما قلنا إنَّ أعمالَ العباد تُوزَنُ، وأنَّ الوَزْنَ يقع على الصحائفِ التي فيها الأعمال، وعلى أنَّه لو كان الأمَر على ما قالوه، وأَنَّ ثَوابَ الأمْوالِ والأفعالِ يصعد، فالاحتجاج نافي، لأنَّ فيه دِلالة على الصُّعود إلى الله تعالى.
وقوله في قصة عيسى أنَّه رفعه إلى مَوضعٍ لا يُعصى فيه، فلا يَمتنع حَملُ الآية على ظاهرها، وأنَّه رَفَعَه إليه على وجه التَّقريبِ له من ذَاته إكرامًا له، كما قَرَّبَ نبينا -صلى الله عليه وسلم- حتى كان قَابَ قَوسين أو أدنى، وكان ذلك تقريبًا من ذاته.