للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

اعلم أنَّه غيرُ ممتنعٍ وصفه بالإعْرَاضِ، كما لم يَمتنعْ وَصفه بالغَضَبِ والكَرَاهة (١).

وكذلك يصح وصفه بالإقْبَالِ على العَبْدِ، على نحو ما جاء به الخبر، رواه أبو ذَرٍّ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَزَالُ اللهُ جَلَّ اسْمُهُ مُقْبِلًا على العَبْدِ مَا لَم يَلْتَفتْ، فإذَا الْتَفَتَ انَصَرفَ عنه" (٢).

لأنَّه ليس في ذلك ما يُحيل صِفاته، لأنَّا لا نُثبت إقْبالًا على وجه الانتقال، ولا إعْراضًا بمعنى الإنصراف.

كما حملنا تَجَلِّيه للجبل على ظاهره، ولم يُوجب ذلك حمله على الانتقال وكما جازَ وصفه بالرِّضَا والرحمة، كذلك ها هنا.

ولأنَّا لا نَصِفُ إعْرَاضَه وإقْبَاله على حسب الإعراض عن الأجسام والإقبال عليها، من جهة المحاذاة، وبوجه المقابلة، لاستحالة كونه جِسْمًا أو جوهرًا، بل نَصِفُه بذلك كما جاءَ به الشرَّع، وكما جاز وصفه بالإرادة والكراهة.

وقد تأُولوا وصفه بالإعراض عن العَبد على أنَّه يرجع إلى تركه توفيقه


= رواه البخاري في الأدب (١٠/ ٤٩٢) وفي الإستئذان (١١/ ٢١) ومسلم في البر والصلة والأداب (٤/ ١٩٨٤) من حديث أبي أيوب -رضي الله عنه-.
(١) وقد ثبت وصفه بـ "الإعراض" في غير ما حديث، فيجب إثبات هذه الصفة دون تحريف ولا تعطيل ولا تكييف. وقد ثبت أيضًا في حديث أبي واقد الليثي -رضي الله عنه-: أن رسول -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد والناس معه. إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول -صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول -رضي الله عنه-، فأما أحدهما فرأي فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الأخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبًا، فلما فرغ رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الاخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه".
رواه البخاري في العلم (١/ ١٥٦) وفي الصلاة (١/ ٥٦٢) ومسلم في السلام (٤/ ١٧١٣).
(٢) ضعيف بهذا اللفظ، وقد تقدم تخريجه في الجزء الأول.

<<  <   >  >>