للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حديثًا مِنِّي، وإنَّ رسول الله خَرجَ على حلقة من أصْحابه فقال: "ما أجلسكم؟ " قالوا: جَلَسْنَا نذْكُر اللهَ ونَحمْده على ما هَدَانَا للإسلام، ومَنَّ علينا بك، قال: "الله ما أَجْلَسَكُم إلا ذلك؟ " قالو: الله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: "أما إنَّي لم أَسْتَحلِفَكُم تُهْمَةً لكم، وإنَّه أَتَاني جبريل فَأَخبرني أنَّ اللهَ يُبَاهي الملائكةَ بكم" (١).

اعلم أنَّه غَيرُ ممتنعِ حَمْلُ الخبر على ظاهره، في وصفه تعالى بالمباهاة، كما جازَ وصفه بالرحمة والمغفرة.

وقد قيل: إنَّ المُبَاهاة، أنَّ الله يُظْهِرُ مِنْ فضله لملائكته ما يَحْقِرونَ طَاعتهم في طاعتهم، وعباداتهم في عباداتهم، لأنَّ المباهاة هي مُفَاعلة من البَهَاء، والبهاء هو العَظَمةُ، فكأنَّه أرادَ: أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يُظهر من عظمة هؤلاء المطيعين ويَهْدِيهم فيها، ما يَزيد على بهاء الملائكة، والغَرَضُ بالخبر تعريف الخلق من الآدميين مواقع الفضل في طاعتهم وعبادتهم (٢).

وهذا التفسير لا يمنع إطلاق صِفَةُ المُبَاهاة عليه سبحانه، لكنْ يكون معناها في حَقَّه، ما ذكره من إظهارِ فضله لأهل عَرَفات، ما يحَقرون الملائكة، طاعتَهم في جنبه.

وفي هذا الخبر دلالة على أنَّ أَفَاضل الآدميين، أَفْضَلُ من الملائكة، لأنَّه لا يباهي إلا بالأفضل.

* * *


(١) رواه مسلم في الذكر والدعاء (٤/ ٢٠٧٥) عن مرحوم بن عبد العزيز عن أبى نعامة السعدي عن أبي عثمان عن أبي سعيد مرفوعًا به.
(٢) انظر هذا التأويل في مشكل الحديث لابن فورك (ص ٢٤٠).

<<  <   >  >>