بحر بمصر قال: سمعت أبا الفَيض ذا النون المصري يقول: أوحى الله عزَّ وجلَّ إلى يعقوب: يا يعقوب تَمَلَّقني، قال: يا ربِّ كيف أتَملَّقك؟ قال: قل يا قديَم الإحْسَان، يا دائم المعروف، يا كثير الخير، قال فأوحى الله إليه: لو أمت ابنك لأحييته لك.
وهذا نص في جواز وصفه بذلك، ولأن هذا مُسَتفيضٌ على أَلْسِنة المُسلمين في دعائهم عصرًا بعد عصر، ولا يجوز أنْ يُجمعوا على مُنكر.
فإنْ قيل: معنى قولهم: يا قديم العلم بالمعلومات، أو يكون معناه تقادم إحسانه على إحسان خلقه، وإنْ كان حادثًا في نفسه.
قيل: أمَّا قولك أنَّ معناه: يا قديم العلم، فلا يصح لأن الإحسان اسم للْإنعَام والتَّفضل، فلا يُحمل على العلم، ولأنَّ الاشتقاق من الإحسان: أَحْسَنَ يُحْسِنُ فهو مُحْسِنٌ، فكما لا يجوز أنْ يُقال: علم فهو محسن لذلك لا يجوز أن يقال: أحسن فهو عالم، وأمَّا حمله على تقدم إحسانه على إحسان خلقه، فلا يصح لأنَّه يُسقط فائدة التخصيص، لأنَّ بعض خلقه قد يتقدم إحسانه على إحسان غيره من الخلق.
فإن قيل: لا خلاف أنَّ إحسانه الذي هو إنعامه وتفضله محدث مخلوق، فكيف يجوز وصفه بالقِدم؟
ولئن جاز وصفه بذلك جاز وصفه: يا قديم الخلق، يا قديم الرزق.
قيل: المحدث المخلوق هو المُنْعَم به والمُتَفَضَّل به، فأمَّا الإحسان والإنعام فهما غيره، كما أنَّ المعْلُوم غير العلم، والمخبر غير الخبر، والمأمُور غير الأمر، والمَنْظُور غير النَّظر، والمراد غير الإرادة.
فإنمَّا لم يجز لأنَّ الخلق هو المخلوق، والمخلوق محدث والرِّزق هو