للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والثاني: أنَّا ندرك الكبير صغيرًا في حال البعد، مثل الجمل نراه صغيرًا في حال البُعْد، ونعلمه كبيرًا، فامتنع أنْ يكون معنى الإدارك معنى العلم.

وكذلك الإرادة هي صِفَةُ ذاتٍ تَتَجَدَّدُ بتَجَدُّد المراد، ولا يجوز لبعض المعتزلة أنْ يقول: إنَّ الإرادة معناها معنى العلم (١)، لأنَّ الإنسان قد يعلم ما لا يُريده، ويُريد ما لا يعلمه، وإذا ثَبَتَ هذا فتقول: هو مَوصوف بالإدراك فيما لم يَزَلْ، ولا نقول هو مُدْرِكٌ فيما لم يَزَل، لأنه لو كان مُدْرِكًا فيما لم يزل اقتضى وجود مدرك فيما لم يزل، ولا يجوز ذلك لأنَّه يُفضي إلى قِدَم الأشياء.

وكذلك هو موصوف بالإرادة فيما لم يزل، ولا نقول هو مريد فيما لم يزل، لأنه يفضي إلى قدم المراد (٢).

ومثله نقول هو موصوف بالخلق والرزق فيما لم يزل، ولا نقول هو خالق ورازق فيما لم يزل، لأنه يفضي إلى قِدَم الأشياء وكذلك هو موصوف بالاستواء


(١) في الأصل: معنى العلم لإنسان قد يعلم، ولعل الصواب ما أثبتناه، وقد نَبَّه إليه الناسخ.
(٢) إرادة الله تعالى صفة من صفاته الذاتية، وليس هي علمه! وهو سبحانه لم يزل مريدًا بإرادات متعاقبة متنوعة، فنوع الإرادة قديم، وإرادته الأشياء وهي تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية قدرية مرادفة للمشيئة. وإرادة دينية شرعية. فمن الدليل على الأولى: قوله تعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وقوله {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: ١٢٥] وهي لا تستلزم محبته، ومن الدليل على الثانية: قوله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} الآية، وقوله {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} وقوله {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} الآية، ونحوها وهي متضمنه لمحبة الله تعالى ورضاه. وليس بين الإرادتين تلازم، فقد يريد سبحانه شيئًا لا يحبه، وقد يحب شيئًا لا يريده للتفصيل: انظر شرح الطحاوية (ص ١١١ - ١١٦) وشرح العقيدة الواسطية ومجموع الفتاوى (٣/ ٨٧، ١٣٢) و (١٦/ ٣٠٣) كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ الله.

<<  <   >  >>