للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ير في كلام مالك ما يوجب جعل هذا حجة، فإن الإمام مالك يذكر في موطئه الأصل المجمع عليه عندهم، فهو يحكي مذاهبهم، وتارة يقول: الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا يصير إلى الإجماع القديم، وتارة لا يذكر.

ولو كان مالك يعتقد أن العمل المتأخر حجة يجب على جميع الأمة اتباعها، وإن خالفت النصوص، لوجب عليه أن يلتزم بذلك حدَّ الإمكان، كما يجب عليه أن يلزمهم اتباع الحديث والسنة الثابتة التي لا تعارض فيها وبالإجماع، وقد قال: إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا في الأمصار، وإنما جمعت علم أهل بلدي، أو كما قال (١).

ترك أخبار الآحاد لعمل أهل المدينة

يذهب كثير من المالكية إلى أن عمل أهل المدينة مقدَّم على أخبار الآحاد الصحيحة، ووجهة نظرهم أن عملهم بمنزلة روايتهم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ورواية جماعة عن جماعة أولى بالتقديم من رواية فرد عن فرد، ثم إن أهل المدينة أدرى بالسنة والناسخ والمنسوخ، وقد نقل الإمام مالك إجماع أهل المدينة في موطئه على نَيِّفٍ وأربعين مسألة (٢).

وفي الرد على هذا المذهب نقول: لا يرتضى جمهور العلماء أن عمل أهل المدينة بمنزلة الرواية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دائما، فقد يكون عملهم مبني على اجتهاد علمائهم مما يخالفهم فيه غيرهم.

وقد سبق القول: إن إجماعهم على هذا النحو ليس معصوما، وبذلك لا يجوز معارضة خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الثابت بالسند الصحيح بما يسمى بعمل أهل المدينة إذا كان إجماعهم على العمل من هذا النوع.

وأما إذا كان عملهم مبنيًا على النقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهل يجوز أن يخالف


(١) صحة عمل أهل المدينة: ٢٧.
(٢) الفكر السامي: ١/ ٣٨٨.

<<  <   >  >>