للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعبد الرحمن بن القاسم من الذين صحبوا مالكًا طويلاً ولازموه، فقد صحبه عشرين سنة، وحفظ عنه مسائله، يقال: إنه حفظ عنه ثلاثمائة جلد من مسائله (١).

وقد دون أسد بن الفرات إجابات ابن القاسم في المسائل التي عرضها عليه، وعاد بها إلى القيروان حيث كان يعمل قاضيًا هناك، ونشرها في تلك الديار وسمي مؤلفه بالأسدية (٢).

ولم يرتض كثير من فقهاء المالكية المنهج الذي سلكته الأسدية حيث أنزلت آراء مالك على فقه الحنفية، فالإمام مالك -رحمه الله- كان يرفض الفقه الفرضي التقديري الذي عرف به الحنفية، ومن جهة أخرى فإن الفقه المالكي مثله في ذلك مثل الفقه الشافعي والحنبلي، كان يعتمد النصوص من الكتاب والسنة ويبني عليها الأحكام، ويقرن الأحكام بأدلتها، وهذا ظاهر فيما قام به الإمام مالك في موطئه، بينما كانت مدونات الفقه الحنفي فقها مجردا خلت من ذكر الأدلة عند تدوينها على يد مؤسسي المذهب.

لقد أراد أسد بن الفرات أن يكون للمالكية فقها كفقه الحنفية، وقد أغرم أسد بدراسة الفقه الحنفي، فرحل في حياة مالك إلى العراق، ولازم محمد ابن الحسن صاحب أبي حنيفة، فأراد من فقهاء المالكية أن يجيبوا على مسائل الفقه الحنفي.

عاد أسد بالمدونة إلى تونس، ولاحظ فقهاء المالكية المنهج الذي بنيت عليه المدونة المخالفة لمنهجية الإمام مالك، بل لاحظوا أن بعض الفروع تختلف عما عليه الفتوى عندهم، وكان من هؤلاء عبد السلام بن سعيد التنوخي الملقب بسحنون، فحمل المدونة مرة أخرى وعاد بها إلى ابن القاسم، واقترح عليه إعادة النظر فيها، والتدقيق في ذكر فقه الإمام مالك بحسب المروي عنه،


(١) الفكر السامي: ١/ ٤٣٩.
(٢) مقدمة ابن خلدون: ص ٨٠٦. الفكر السامي: ١/ ٤٣٩.

<<  <   >  >>