للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر ابن خلدون أن ابن القاسم رجع عن كثير من المسائل التي دونها في (الأسدية)، وأن سحنون كتب ما أملاه عليه ابن القاسم ودونه، وأثبت ما رجع عنه منها، وكتب ابن القاسم مع سحنون إلى أسد مطالبًا إياه بأن يمحو من أسديته ما رجع عنه، وأن يأخذ بكتاب سحنون، فأنف من ذلك، فترك الناس كتابه واتبعوا مدونة سحنون. ويسمى كتابه المدونة، كما يسمى المختلطة، لأن بعض المسائل وضعت في غير الأبواب المناسبة لها (١)، وبذلك صفى سحنون المدونة مما شابها، وأعاد إليها صيغة الإمام مالك في فقهه.

وأصبحت (المدونة) هي الكتاب الأول عند فقهاء المالكية بعد (الموطأ)، ولذا فإن علماء المالكية إذا أطلقوا اسم الكتاب انصرف عندهم إلى المدونة، وقد اعتنى بها فقهاء المالكية عناية كبيرة، فكانت مدار بحثهم، وتناولوها بالرواية وبالشرح والاختصار، وهي عمدة عندهم على اختلاف بلادهم، فهي عمدة عند الأندلسيين والمغاربة كما هي عمدة عند العراقيين والمصريين.

ودون عالم الأندلس الكبير عبد الملك بن حبيب السلمي كتاب (الواضحة في الفقه والسنن)، وقد اعتمد فيها على أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وخاصة: (الموطأ)، وقد أفرده بالشرح، وتناول غيره من الأحاديث، كما اعتمد أقوال الصحابة والتابعين، وطريقته في واضحته كطريقة مالك في موطئه، وضمت إلى هذا كله فقه مالك وفقه علماء المالكية من تلامذة الإمام فمن بعدهم، وللمؤلف اجتهادات واضحة منثورة في كتابه.

وقد كانت الواضحة مفخرة علماء المالكية ومرجعهم حتى ظهور العتبية.

وألف محمد بن أحمد العتبي الأندلسي كتاب (العتبية) أو (المستخرجة)، وقد اعتمد عليها علماء الأندلس وهجروا الواضحة وغيرها، وقد دون العتبي فيها آراء مالك، وآراء تلامذته الأعلام من بعده، وقد حفظ العتبي في


(١) مقدمة ابن خلدون: ص ٨٠٧.

<<  <   >  >>