للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من تلك العلوم تجدهم يخوضون فيها غير وجلين، ويأتون في بحوثهم وحديثهم بالنافع المفيد، مما يدل على أنهم بلغوا الغاية في تلك العلوم.

ولكن أصحاب هذه العقول يصابون بالذعر، إذا عرضت عليهم نصوص الكتاب والسنة، فتراهم يغلقون عقولهم، ويزعمون عدم العلم، كأن نصوص الكتاب والسنة لا تُفْقَهُ ولا تعلم، ولا يمكن أن يخلص أولو الألباب إلى معانى نصوصهما.

وقد تحدث صاحب (عمدة التحقيق) عن هذا الصنف من العلماء فقال: ما قولكم في العالم الذي يعرف دقائق علوم النحو وأصوله، والتصريف والاشتقاق، وخصائص العربية، وأسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز من معان وبيان وبديع، وأصناف المعاني الدقيقة والجلية، ووجوه الاستعارات، وأقسام المجاز، وضروب التشبيه، وأنواع البديع، وعلم الوضع، وفنون الشعر كقرضه ونقده وقوافيه وعروضه، وما يتخلله من الزحاف والعلل والحكمة القديمة وعويصاتها، والمنطق ودقائقه، كتوجيه القضايا واختلاطها، وأشكال القياس وضروبه وردها، وعلوم الجدل وآداب البحث والمناظرة، والكلام ونظريات علمائه، وأصول الفقه وما يتخلله من تقسيم اللفظ إلى خاص وعام، ومشترك وظاهر، وخفي، ومجمل، ومفسر ونص وصريح، وكناية وعبارة وإشارة، إلى آخر ما هنالك من دقائق مسائله، كمسالك العلل، ودفع القياس وأضراب ذلك، وعلم المواريث ومناسخاته، والفقه ومصطلحات الفقهاء، وأقسامه وفصوله، كالقواعد، والضوابط، والفروق، والألغاز، والأشباه والنظائر، والمخارج الشرعية، وترجيح البينات، ومسائل الحيطان، وتقسيم الشرب، وأقسام الأوقاف، والأحكام السلطانية والقضائية، إلى غير ذلك من العلوم والفنون، حتى صار هذا العالم كالبحر الزاخر.

ثم إنه لم يقتصر على ذلك، بل أحرز ملكة عظيمة من فهم دقائق عبارات المتأخرين من علماء القرون الوسطى، ومن يليهم، التي عقدت تعقيداً جعلها أشبه بالألغاز لفرط إيجازها، حتى حالت بين قواعد العلوم الأصلية السمحة،

<<  <   >  >>