مما ينبغي أن يتنبه إليه أن كل مذهب يضم أقوال إمام المذهب واجتهاداته كما يضم جميع الأقوال والاجتهادات التي ذهب إليها علماء المذهب، ولا يجوز أن تنسب كل هذه الأقوال إلى مؤسس المذهب.
إن بعض الباحثين وبعض الفقهاء في كل مذهب نسب كثيرا من أقوال أصحاب الأئمة وتلامذتهم وأتباعهم إلى الأئمة، وهذا ليس عدلا ولا صوابا، فمذهب العالم ما قاله وذهب إليه، ومن قول عالما ما لم يقله، ونسب إليه أحكاماً لم تصدر عنه، فقد ظلم وجار.
نعم، قد يقال: المذهب الشافعي في هذه المسألة كذا، ولا يريد القائل أن الشافعي قد قال ذلك وأفتى به، وإنما يريد أن هذا الحكم هو المعتمد في الفتوى عند الشافعية، وهذه مسألة اصطلاحية، ولا مشاحَّة في الاصطلاح.
إن العمدة في المذهب قد يكون قولا للإمام نصَّ عليه، وقد لا يكون نصَّ عليه، وإنما نسب إليه قياسا على قوله، أو أخذ من إشارته أو إيمائه، وقد يكون قولا لصاحب أو تلميذ من أصحاب إمام المذهب أو تلامذته، أو قاله أحد علماء مذهبه أو جمع منهم، وقد يكون ما قاله غيره من أصحابه أو تلامذته أو علماء مذهبه مخالفا لما نص عليه، وقد لا يؤثر عن الإمام في ذلك قول أو حكم.
ويدل لعدم جواز نسبة كل ما في المذهب من أقوال للأئمة أمور:
١ - أن أهل العلم قرروا أنه لا يجوز أن ينسب لساكت قول لم يقله، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:"من نسب إلى ساكت قولاً فقد كذب عليه"(١).
كما قرروا أن مذهب الإنسان ما قاله، واستمرَّ على القول به إلى أن لقي