للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رُخص المذاهب اتباعاً للغرض والشهوة" (١).

وضرب الشاطبي مثلاً بما حكاه عياض في المدارك قال موسى بن معاوية: "كنت عند البهلول ابن راشد إذ أتاه ابن فلان، فقال له بهلول: ما أقدمك؟ قال: نازلة، رجل حبسه السلطان فأخفيته، وحلفت بالطلاق ثلاثاً ما أخفيته، قال له البهلول: مالك يقول: إنه يحنث في زوجته، فقال السائل: وأنا قد سمعته يقوله، وإنما أردت غير هذا، فقال: ما عندي غير ما تسمع.

قال: فتردد إليه ثلاثاً كل ذلك يقول له البهلول قوله الأول، فلما كان في الثالثة أو الرابعة قال: يا ابن فلان ما أنصفتم الناس، إذا أتوكم في نوازلهم قلتم: قال مالك، قال مالك، فإن نزلت بكم النوازل طلبتم لها الرُّخص، الحسن يقول: لا حِنْثَ عليه في يمينه، فقال السائل: الله أكبر، قلدّها الحسن، أو كما قال" (٢).

وذكر الشاطبي أن أحمد بن عبد البر حكى أن قاضياً من قضاة قُرْطبة كان كثير الاتباع ليحيى بن يحيى، لا يعدل عن رأيه إذا اختلف عليه الفقهاء، فوقعت قضية تفرد فيها يحيى، وخالف جميع أهل الشورى، فأرجأ القاضي القضاء فيها حياء من جماعتهم، وردفته قضية أخرى كتب بها إلى يحيى، فصَرَفَ يحيى رسوله، وقال له: لا أشير عليه بشيء إذ توقف على القضاء لفلان بما أشرتُ عليه.

فلما انصرف إليه رسوله وعرفه بقوله قلق منه، وركب من فوره إلى يحيى، وقال له: لم أظن أن الأمر وقع منك هذا الموقع، وسوف أقضى له غداً إن شاء الله، فقال له يحيى: وتفعل ذلك صدقا؟ قال: نعم.

قال له: فالآن هيجت غيظي، فإني ظننت إذ خالفني أصحابي أنك توقفْت مستخيراً الله متخيراً في الأقوال، فأما إذ صرت تتبع الهوى، وتقضي برضا


(١) الموافقات: ٤/ ٨٥.
(٢) المصدر السابق.

<<  <   >  >>