وبهذا التمهيد يصلح أن نفصل الكلام فى إطلاق القرآن باعتباراته الثلاثة، فنبدأ بموطن اتفاق العلماء، ثم نثنى بموطن الاختلاف.
[الإطلاق الأول القرآن باعتباره ألفاظا منطوقة]
[أولا: القرآن بوصفه علم شخص على هذا الاعتبار:]
إذا أردنا أن نعرف القرآن من حيث هو علم شخص فعلينا أن نعين مدلوله بإيراد أهم خصائصه التى اشتهر بها ولا سيما عند علماء أصول الفقه ومنها:
١ - الإنزال أو التنزيل على النبى صلّى الله عليه وسلم.
٢ - الإعجاز بسورة منه.
٣ - النقل بالتواتر.
٤ - الكتابة فى المصحف.
٥ - التعبد بالتلاوة.
وذكر بعض هذه الخصائص يكفى لتمييز مدلوله. ولنا أن نعرفه من خلال هذه الخصائص الخمسة بقولنا: القرآن هو «القول أو الكلام المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة منه المنقول إلينا بالتواتر، المكتوب فى المصحف، المتعبد بتلاوته من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس».
وخرج (بالقول أو الكلام) الألفاظ المهملة، وب (المنزل) ما لم ينزل من كلامه المذخور عند الذى لا ينفد كلامه، والأحاديث النبوية. أما خروج الأحاديث القدسية فيتوقف على القول فى: هل نزلت على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم بألفاظها أو لا؟ فبالأول: قال بعض المحققين مثل الأستاذ محمد عبد الله دراز فى «النبأ العظيم». وعليه نحتاج إلى قيد لإخراج هذه الأحاديث القدسية.
وبالثانى: قال الجمهور، وعليه لا حاجة لقيد جديد لإخراجها. فالحديث النبوى سواء كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم فهمه من كلام الله وبتأمله حقائق الكون فهو كالتوقيفي، أم كان توقيفا بأن تلقى مضمونه من الوحى فهو من حيث مضمونه منسوب له سبحانه وتعالى، ولكنه فى القسمين حرىّ بأن ينسب من حيث كونه كلاما لفظيا لقائله وهو النبىّ صلّى الله عليه وسلم. فخرج القسمان بالقيد الأول. وكذلك الحال فى الحديث القدسى؛ لأنه على القول الراجح منزل بمعناه فقط؛ لأنه لم يأخذ أحكام حرمة اللفظ كالقرآن من حرمة روايته بالمعنى، ومسّ المحدث لما حواه. والتحدى بالقرآن وعدمه بالحديث القدسى فارق آخر، وكذلك عدم التعبد بتلاوته كلاهما يثبت عدم نزوله بلفظه.