للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[(٦) توصيف القرآن لطوائف الكافرين]

إن القرآن الكريم حين تناول الكافرين بالحديث عنهم فإن منزّله- عز وجل- لم يترك كبيرة ولا صغيرة عن هذه الطوائف إلا وقد سجل ألوان الضلال التى اتصفت به، وأنواع الشرك الذى مارسته، وفنون الإفك التى اقترفتها، وحيل النفاق التى خاضت فى مزالقها، وأكاذيب الخداع التى أصرّت على الاستمساك بها، والضلالات التى تروت فى أعماقها.

لم يكن ذلك- وحاشا لله- افتراء عليهم أو افتئاتا على فضائل صنعوها أو خيرات قدموها؛ ولذلك وصفتهم آيات الكتاب العزيز بالمشركين، والكفار، وأهل الضلالة، والمنافقين، وأتباع الشيطان، والخاسرين، وغير ذلك من صفات أهل النار، ومن ثم كانت الأمثال التى ضربت لحماقاتهم وكفرهم من السمو والإعجاز بمكان يقول الله سبحانه فى تقبيح فكرهم والاستخفاف بعجزهم: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. (١)

إن هؤلاء الكفار من الغباء والعجز بحيث لا يستطيعون خلق ذبابة وهى من أضعف مخلوقات الله وأقلها شأنا، بل إن تلك المخلوقة الضعيفة لو سلبتهم شيئا فإنهم يعجزون عن استرداده، ومع ذلك فإنهم يكفرون بعبادة الله، ثم تقرع الآية التالية أسماعهم لعلهم يعقلون، وهى قوله جل وعزّ:

ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.

ولكن لقد ضلت أفئدتهم وقست قلوبهم وعميت أبصارهم وبصائرهم فلم يؤمنوا.

ويضرب الله مثلا آخر لجمود هؤلاء المكابرين وعناد أولئك الضالين الذين هم على شاكلة سابقيهم فى المثل السابق، وفى هذا المثال ييسر على هؤلاء الضالين طريق الإيمان فى آيتين، ويردف بآية توصيف حال هؤلاء الكافرين بآية ثالثة تظهر إصرارهم على الضلال، ثم يختم بآية رابعة لعلها توقظ حسّ الإيمان فى قلوبهم ونور اليقين فى أفئدتهم ولكنهم لا يهتدون: لقد قدّت قلوبهم من صخر، وسلبت بصائرهم فطرة الإيمان.


(١) سورة الحج الآية ٧٣.