للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن الأمر الإلهى للناس بالسير فى الأرض ليؤمنوا منّة كبرى، لأن الذين يسيرون فى الأرض فينظرون حكمة الله فى خلقه وعظم آياته فى الكون يسارعون إلى الإيمان، والذين يفعلون ذلك ثم لا يؤمنون لا يكون لهم على الله حجة فى كفرهم، فقد رأوا مفاتيح الإيمان وبدائع صنع الله وظلوا على نكرانهم، وإن من فضل الله على الأمة الإسلامية أن جعل طلب العلم فريضة على المسلمين دون سائر الأمم السابقة، والعلم عند المسلمين لا تكتمل أسبابه إلا بالرحلة أو السير فى الأرض بلغة القرآن الكريم، وإن كبار علماء المسلمين لم تكتمل لهم أسباب النبوغ العلمى- سواء أكان علما دينيا أو علما دنيويا- وكلاهما مطلوب- إلا بالرحلة، وإن حديث العلم والعلماء فى الإسلام وما قاموا

به من رحلات وأسفار وسير فى الأرض سوف يكون له مكانة فى هذا البحث بمشيئة الله بعد قليل.

[منحة إلهية مقرونة بمعجزات ربانية:]

إن معجزات الخالق- سبحانه وتعالى- كلها منن على خلقه، منها ما تفضل ربنا علينا مقرونا بمعجزة، ومنها ما جاء فضلا منه ورزقا وكرما منه ولطفا.

فمن المعجزات المقرونة بمننه سبحانه وتعالى قوله جل وعز: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (١٧).

أما المعجزة فهى أن السماوات والأرض كانتا جسما واحدا ضخما متماسكا ففصل الله بقدرته بينهما، وجعل السماوات مستقلة والأرض كذلك، وتدخل معجزة «الرتق والفتق» فى سلك معجزات الخلق الأولى، وبمعجزة الفتق يسّر الله الأرض للناس وأنعم عليها بالماء الذى لا حياة فيها إلا به، وبغير الماء لا تكون حياة، وإتماما لمننه على الأرض وساكنيها ثبت أركان الأرض، وثبت كيانها بالجبال الضخمة التى جاء المصطلح القرآنى فسماها «رواسى»؛ لأنها تجعل الأرض فى ثبات واتزان، وجعل فى هذه الجبال سبلا وفجاجا يسلكها الناس فى تحركاتهم وتنقلاتهم وأسفارهم، وذلك فضل الله يلمسه كل من عاش أو زار أقطارا فى الأرض جبلية.

ومن المعجزات المقرونة بالمنن الإلهية أيضا قول الله عز وجل: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨).


(١٧) سورة الأنبياء: الآيتان ٣٠ - ٣١.
(١٨) سورة النحل: الآيات ١٥ - ١٨.