إنه ما من طبع من الطبائع الفطرية إلا يحتاج إليه فى جانب من جوانب الخير، أو فى طريق من طرق الخير، وعمليات التوجيه والتحويل تكون بتعليق رغبات المقصود بالتربية فى جانب من جوانب الخير، أو فى طريق من طرق الخير، وبمحاولة امتصاص شحنات هذا الطبع كلّها أو بعضها فيما وجهت إليه وعلقت به.
ومن أمثلة ذلك: أن نأخذ إنسانا ذا طمع مفرط فى متاع الحياة الدنيا وزينتها، ثم نملأ قلبه إيمانا بالله واليوم الآخر، وبما فى اليوم الآخر من جنة ونعيم مقيم، ثم نعمل على توجيه طمعه وتحويله إلى ما عند الله من أجر عظيم، ثم نجرى عمليات تعليق شحنات ما لديه من طمع بذلك، فتنصرف نفسه إليه انصرافا كليا أو جزئيا، وبذلك ينفك شيئا فشيئا عن التعلق بمطامع الحياة الدنيا، طلبا لما هو أجلّ وأعظم، وعندئذ فقد نجده زاهدا قنوعا، أو غير مفرط فى الطمع.
وبهذا التحويل الكلى أو الجزئى يعتدل طبعه، ويتكون لديه خلق فاضل، ومع ذلك نلاحظ أن الطمع لم تقتلع جذوره من نفسه، ولكن جرى فيه تحويل إلى ما هو خير.
وهكذا نستطيع أن نمارس خطة التوجيه والتحويل فى كثير من الطبائع الفطرية.
[الأساس الثالث: التصعيد:]
وهو نوع من تحويل الطبع، أو تحويل التطلع الإنسانى، عن الصغائر والدنايا، وتوجيهه لمعالى الأمور، ولما فيه سعادة خالدة أو مجد حقيقى، ولما فيه كمال، ورفعة بين الناس، وكمال ورفعة عند الله.
ومن وسائل التصعيد التشويق والتحبيب، والتحسين والتزيين، والممارسة، ووضع الإنسان فى خبرات عملية يذوق فيها حلاوة ما يراد تصعيده إليه، ولكن بدون إرهاق منفر، ولا تكاليف شاقة مضنية، باستثناء أفراد نادرين يستعذبون المشقات فى أصل طباعهم، ولا يميلون إلى الأمور السهلة الخفيفة.
ومن التربية بالتصعيد قول الله- عز وجل- لرسوله صلّى الله عليه وسلّم:
فأبان الله تعالى أن كل ما يتمتع به الناس فى الحياة الدنيا هو فى واقع حاله كالزهرة، ومن صفات الزهرة أنها تغرى ولكنها قصيرة العمر سريعة الذبول والفناء، فالعاقل يبحث عن نعيم حقيقى باق. وهو أيضا مادة