للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثلاث فى سورة الفتح: فى قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ (الفتح: ٤)، وقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ (الفتح: ١٨). وقوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى (الفتح: ٢٦).

وكل واحدة ذكرت فى هذه الآيات فهى بمعنى الطمأنينة- كما قال ابن عباس- إلا التى فى البقرة. وهى المرة السادسة، وهى قوله تعالى: وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ (البقرة: ٢٤٨).

فقد اختلف العلماء فى معنى (السكينة) فى هذه الآية قيل: هى مثل نظائرها، والمعنى:

هو- أى التابوت- سبب سكون قلوبكم وطمأنينتها؛ حيث كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم، فكانت- لذلك- تسكن إليه النفوس، وتأنس به وتقوى. وقيل:

هى روح من الله تتكلم، فكانوا إذا اختلفوا فى أمر نطقت ببيان ما يريدون، وإذا صاحت فى الحرب، كان لهم النصر والظفر، وقيل: هى ريح هفافة- أى سريعة المرور فى هبوبها- لها وجه كوجه إنسان، وقيل: هى حيوان كالهر، له جناحان وذنب، ولعينيه شعاع، فإذا نظر إلى الجيش انهزم، وقيل: هى طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء.

والصحيح القول الأول (٥٨)، وفى غيره من الأقوال آثار الوضع، ورائحة الإسرائيليات.

[٣٥ - شعائر الله]

والشعائر: جمع شعيرة، وهى كل شىء لله تعالى فيه أمر، أو نهى، أشعر به وأعلم، ومنه:

شعار القوم فى الحرب، أى علامتهم التى يتعارفون بها، ومنه كذلك: إشعار البدنة، وهو الطعن فى جانبها الأيمن حتى يسيل منه الدم؛ فيكون علامة، وتسمى: شعيرة، بمعنى:

مشعورة، أى: معلّمة.

والإشعار: الإعلام من طريق الإحساس، يقال: أشعر هديه أى جعل له علامة ليعرف بها أنه هدى، ومنه: المشاعر، أى: المعالم، واحدها مشعر، وهى المواضع التى قد أشعرت بالعلامات، ومنه: الشاعر؛ لأنه يشعر بفطنته لما لا يفطن له غيره.

ومنه: الشعير؛ لشعرته التى فى رأسه (٥٩).

وقد اختلف العلماء فى المراد من (شعائر الله) على أقوال، أبرزها قولان (٦٠):

الأول: ما قاله عطاء والحسن، قال عطاء ابن أبى رباح: هى جميع ما أمر الله به، ونهى


(٥٨) القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (البقرة تفسير الآية ٢٤٨).
(٥٩) الراغب: المفردات (كتاب الشين، مادة: شعر)، القرطبى: مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٥٨، الحج: تفسير الآية ٣٢).
(٦٠) القرطبى: مصدر سابق، الواحدى: أسباب النزول (المائدة الآية ٢).