لا يعرف بالضبط والتحديد الدقيق متى بدأت الكتابة عند العرب الذين هم أمة أمية لا تكتب ولا تحسب كما وصفهم النبى صلّى الله عليه وسلم فى صحيح سننه، بل وصفهم بذلك القرآن العظيم فى غير ما موضع منه، وجميع الروايات التى يذكر الناس فى هذا المقام لا تقوم على قدم أو تعتمد على ساق، والمهم أنه حين نزول القرآن كان من العرب من يكتبون، حتى اتخذ النبى صلّى الله عليه وسلم من المؤمنين به كتابا للوحى، أولهم: فى مكة- عبد الله بن سعد بن أبى سرح، وأولهم بالمدينة أبىّ بن كعب، كما قال الحافظ فى «الفتح». ومن أبرزهم: زيد بن ثابت الذى قال أبو بكر فى حديث البخارى الذى نقلناه لك فى الجمع البكرى: «وقد كنت تكتب الوحى للنبى صلّى الله عليه وسلم».
ولكون الكتابة عند العرب كانت محدثة وفى الأقلين منهم، فإنهم حين كتبوا القرآن كتبوه على ما تيسر لهم من تعلم الخط، ولم تكن هذه الصناعة محكمة لديهم إذ ذاك، فخالفوا فى رسم القرآن أصل قاعدة الكتابة المعروفة الآن أحيانا أو فى الكثير من الأحيان، فتارة كانت مخالفتهم بحذف ما حقه أن يثبت وأخرى بإثبات ما حقه أن يحذف، وثالثة بإبدال حرف مكان آخر، ورابعة بقطع الحرف عما بعده حينا ووصله به آخر، والحرفان هما هما فى الموضعين أو المواضع، إلى غير ذلك من المخالفات لقاعدة الكتابة.
ومن هنا فقد اختلف الناس فى رسم المصحف: أهو توقيفى واجب الاتباع بحيث تحرم مخالفته؟، وهو قول مالك وأحمد كما صرح به السيوطى فى «الإتقان» فى النوع الذى تحدث فيه عن مرسوم الخط. ولا حجة لأصحاب هذا المقام البتة، فإنه لم يثبت أن النبى صلّى الله عليه وسلم أمرهم بكيفية مخصوصة فى الكتابة، بل وكلّهم فى ذلك إلى ما يحسنون ويطيقون. وما زعم من نحو قوله لبعض كتابه فى كتابة بسم الله الرحمن الرحيم:«ألق الدواة وحرف القلم، وأقم الباء، وفرق السين، ولا تقور الميم» فحديث خرافة من نقلته. وعلى الجملة فقد ضعف الحافظ ابن حجر فى شرحه لحديث عمرة القضاء من «الفتح» جميع الأحاديث الواردة فى تعلم النبى صلّى الله عليه وسلم