للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إيجاز القصر]

هو القسم الثانى من قسمى الإيجاز، بعد الإيجاز بالحذف وصوره الخمس التى تقدمت.

والفرق بينهما أن الإيجاز بالحذف يلحظ فيه حذف حرف من بنية الكلمة، أو أداة من أدوات المعانى، أو كلمة مفردة (اسم أو فعل) من تركيب مفيد (جملة تامة) (اسمية أو فعلية) من مجموع كلام، أو يكون المحذوف جملتين فأكثر، مع وجود دليل قوى على المحذوف.

أما إيجاز القصر فلا يلحظ فيه شىء محذوف أبدا وإنما يلحظ فيه أن المعانى المشعة منه أكثر من الألفاظ التى استعملت فيها.

فمثلا قولنا: «اسأل أهل القرية» كلام مساو لفظه لمعناه، فإذا قارناه بقوله تعالى:

وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (١) كان إيجازا بالحذف، والمحذوف هو كلمة «أهل» وهو مفعول به ل سْئَلِ ومضاف إلى الْقَرْيَةَ ودليل الحذف فيه هو حكم العقل، الذى يمنع توجيه السؤال إلى القرية باعتبارها مكانا وأرضا وأبنية وإنما الذى يوجه إليه السؤال عقلا هو أهل القرية فإيجاز الحذف، وإيجاز القصر يشتركان فى أن معانى كل منهما أكثر من الألفاظ المستعملة فيها، ويفترقان فى أن إيجاز الحذف يلحظ فيه ألفاظ محذوفة، أما إيجاز القصر فلا يلحظ فيه ألفاظ محذوفة، يمكن ذكرها فى جمله أو تراكيبه.

وكان الجاحظ أول من أشار إليه فى قوله:

«الكلام الذى قل عدد حروفه وكثر عدد معانيه» (٢) ذكر هذه العبارة فى وصف مسهب لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم جاء العلماء من بعده واعتبروا هذه العبارة تعريفا لفن الإيجاز بالقصر ومنه قوله تعالى:

لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (٣) على اعتبار أن هاتين الكلمتين قد جمعتا نفى جميع عيوب خمر أهل الدنيا.

وقوله تعالى: لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٤) على اعتبار أن هاتين الكلمتين قد جمعتا نفى جميع العيوب ثم قال: «درجت الأرض من العرب والعجم على إيثار الإيجاز وحمد الاختصار وذم الإكثار والتطويل والتكرار وكل ما فضل- أى زاد- على المقدار» (٥)

ويرى ابن الأثير أن التنبه إلى هذا النوع من الإيجاز عسر لأنه يحتاج إلى فضل تأمل (٦).


(١) يوسف (٨٢).
(٢) البيان والتبيين (٢/ ١٩).
(٣) الواقعة (١٩).
(٤) الواقعة (٢٢).
(٥) رسالة من البلاغة والإيجاز (٢٢) - رسائل الجاحظ (٤/ ١٥٦).
(٦) المثل السائر (٢/ ٧٨).