للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقول الله تعالى: الْقِصاصِ حَياةٌ (٧) والقول المأثور عن العرب «القتل أنفى للقتل» وفى كل منهما إيجاز قصر، وبينوا الوجوه التى سما بها قول القرآن على قول العرب، فى الآتى:

فأولا: عدد حروف قول القرآن عشرة أحرف. وعدد حروف القول المأثور عن العرب أربعة عشر حرفا.

وثانيا: القول القرآنى فيه تصريح بالمطلوب، وهو الحياة، أما قول العرب فقد خلا من التصريح.

وثالثا: تنكير «حياة» فى القول القرآنى يفيد إما التعظيم، وإما النوعية الخاصة، أى حياة آمنة وقد خلا قول العرب منه.

ورابعا: القول القرآنى مطرد عام، أما قول العرب ففيه قصور وعجز؛ فليس كل قتل يكون محققا لسلامة الأرواح. بل منها ما يكون سببا فى تفشى القتل، وهو الأخذ بالثأر. والقتل والعدوان أما القول القرآنى فنص على أن القتل هنا هو القصاص الذى يقوم به ولى الأمر، وفيه- فعلا- حسم لمادة الشر.

وخامسا: القول القرآنى خلا من عيب التكرار، أما قول العرب فقد تكرر فيه القتل مرتين.

وسادسا: استغناء القول القرآنى عن تقدير محذوف يتم به المعنى. أما قول العرب فلا بد من تقدير محذوف فيه هكذا:

القتل أنفى للقتل من تركه.

وسابعا: القول القرآنى جمع بين القصاص بمعنى القتل، وبين الحياة. وفى هذا محسّن بديعى لطيف المورد، أما قول العرب فقد عرى من هذا التحسين.

وثامنا: القول القرآنى جعل «القصاص» منبعا ومصدرا للحياة كاشتمال الظرف على المظروف فيه. أما قول العرب فقد خلا من هذه الاعتبارات اللطيفة الآسرة (٨).

ولهذا الإيجاز قيمة عليا عند البلاغيين وخبراء الأساليب فقد وصفوه- أعنى الإيجاز فى آية القصاص المتقدمة، بأنه:

«الذى فاق كل كلام، وهو أعلى طبقات الإيجاز» (٩)

أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى


(٧) البقرة (١٧٩).
(٨) المثل السائر (٢/ ١٢٥) - والصناعتين لأبى هلال العسكرى (١٧٥) - ونهاية الإيجاز للفخر الرازى (١٤٥) - وبديع القرآن (١٩٢) - والإيضاح (١٨٢).
(٩) نهاية الإرب للنويرى (٧/ ٥) - شروح التلخيص (٣/ ١٨٢) - الطول للسعد (٢٨٦) - معترك الأقران للسيوطى (١/ ٢٩٥) - الجامع الكبير لابن الأثير (١٤٢).