معجزة كما قال الرافعى ولكنّها إرهاص بالمعجزة التى تجلّت فى القرآن الكريم، كما عدّ الرافعى نهضة الأمة العربية بعد ضياعها فى العصر الجاهلى وامتداد دولها شرقا وغربا مظهرا من مظاهر الإعجاز القرآنى فى تربية النفوس، وحفز السلوك إلى المثل الأعلى، والإعجاز بهذه الفتوح لا يقف عند الجاهلين من أهل مكة لأنّهم لم يروا ما جدّ من الفتوح فيما بعد، ولكنه شهادة لدوام الإعجاز لدى الخلف بعد انقضاء عهد السلف.
وقد جاء من المؤلفين فى البيان القرآنى وإعجازه بعد وفاة الرافعى من ظهر فى نتاجهم العلمى أثر الإعجاز كما قرر الرافعى من قبل، فكان الرجل بذلك قائد كتيبة علمية وجهت نشاطها إلى حقل القرآن، وأحرزت فخار النصر ورجعت بالأسلاب، (وبعضهم- ولا أدرى لماذا- لم يشيروا إلى كتاب الرافعى الذى استقوا من نبعه وارتووا من مائه، ولو أشاروا إليه لكان ذلك أدلّ على منزعهم الخلقى قبل أن يدل على فهمهم لأصول البحث العلمى، إذ يتسمون بالأمانة العلمية، ولا أنتقل إلى محاولة من رأى أن يعارض الرافعى بعد أن استقى من نبعه، ليقول إنه غير متأثر به، وللقراء عقول تعرف انحرافات الأهواء، وتستّر الميول).
[عبد الله عفيفى]
كان الأستاذ عبد الله عفيفى من كبار أدباء عصره، وقد ألقى محاضرات على طلبة كلية الشريعة فى الأدب العربى، جمعها تحت عنوان (زهرات منثورة) وفيه خص القرآن الكريم والحديث النبوى بتحليل دقيق، وتعرّض لحديث الإعجاز القرآنى فبسطه بسطا شافيا، ننقل هنا خلاصته.
ذكر الأستاذ أوجها كثيرة للإعجاز فى مقدمتها هذه القوّة الروحية التى تسيطر على المشاعر، وتأخذ بالألباب، وهو مسبوق فى هذا الوجه بالأستاذ محمد فريد وجدى، وقد بسطنا القول فيه من قبل.
أما الوجه الثانى من الإعجاز فقد قال فيه: إنّ العرب لم يكونوا يحسنون من فنون النثر إلا الأسلوب الخطابى الذى يعتمد على التأثير فى النفس باللّفظ الفخم والقول المردد، ولكنهم لم يكونوا من كثير من الأسلوب المنطقى الذى ينتقل من المقدمات إلى النتائج، وينفذ من المعلوم إلى المجهول، أمّا الأسلوب العلمى الذى تساق فيه الحقائق العلمية من