رسم المصحف أول ما رسم دون نقط أو شكل لسبب يسير جدا هو: أنه لم يكن شىء من ذلك معروفا فى الكتابة عندئذ، وكانت سليقة العربى الخالص وفطرته النقية أمانا له من الالتباس والنطق بغير ما يصح فى العربية، فلما اتسعت الفتوحات واختلط العرب بالعجم سرت اللكنة إلى ألسنة البعض وخفى ما كان بدهى الظهور، فاحتاج الناس إلى ما يؤمنهم اللبس ولا سيما فى قراءة القرآن من المصحف. (١) ولسنا نعرف بالضبط والتحديد الدقيق متى تم هذا النقط والشكل، ولا أول من وقع على يديه. قال السيوطى فيما ذكر من مسائل مرسوم الخط، وفيه أيضا حكم النقط والشكل وحكم ما أضيف من غيرهما إلى المصاحف: (مسألة: اختلف فى نقط المصحف وشكله. ويقال: أول من فعل ذلك: أبو الأسود الدؤلى بأمر عبد الملك بن مروان، وقيل: الحسن البصرى ويحيى بن يعمر، وقيل: نصر بن عاصم الليثى. وأول من وضع الهمز والتشديد والروم والإشمام الخليل. وقال قتادة: بدءوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا. وقال غيره: أول ما أحدثوا النقط عند آخر الآى، ثم الفواتح والخواتم. وقال يحيى بن أبى كثير: ما كانوا يعرفون شيئا مما أحدث فى المصاحف إلا النقط الثلاث على رءوس الآى. أخرجه ابن أبى داود. وقد أخرج أبو عبيد وغيره عن ابن مسعود، قال: جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء. وأخرج عن النخعى أنه كره نقط المصاحف. وعن ابن مسعود ومجاهد أنهما كرها التعشير. وأخرج ابن أبى داود عن النخعى أنه كان يكره العواشر والفواتح وتصغير المصحف، وأن يكتب فيه سورة كذا وكذا. وأخرج عنه أنه أتى بمصحف مكتوب فيه سورة كذا وكذا آية، فقال: امح هذا فإن ابن مسعود كان يكرهه. وأخرج عن أبى العالية أنه كان يكره الجمل فى المصحف، وسورة كذا، وفاتحة سورة كذا، وقال مالك:
لا بأس بالنقط فى المصاحف التى يتعلم فيها الغلمان، أما الأمهات فلا. وقال الحليمى-
(١) انظر: البرهان فى علوم القرآن، للزركشى، ح ١، ص ٣٧٩.