للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوائد معرفة أسباب النزول]

قد عرفنا فيما سبق ما هو سبب النزول، وما الذى يرجع إليه فى معرفته، وما صيغته التى يرد بها، وقد آن لنا أن نعرف ما هى الثمرة المرجوة، والفائدة المأمولة من وراء هذا البحث.

الحق أن البحث فى سبب النزول وفوائد معرفته بحث مهم، ولهذا نرى أن علماء الأمة قد أولوه عنايتهم كما سبقت الإشارة إليه فى كلام السيوطى- رحمه الله تعالى- فى بيان من أفرد هذا الموضوع بالبحث، كما نرى واحدا من أعلام هؤلاء العلماء، وهو بدر الدين الزركشى- رحمه الله تعالى- قد بدأ مصنفه القيم فى علوم القرآن الذى يعتبر عمدة فى هذا الفن، وهو كتاب (البرهان فى علوم القرآن) (٢٩) ببحث هذا الموضوع، فجعل النوع الأول مما بحثه فى كتابه من موضوعات: (معرفة أسباب النزول).

وإنه لمخطئ من يظن أنه ليس من وراء البحث فى أسباب النزول من فائدة؛ إذ يبنى ظنه على أن هذا الموضوع من قبيل ما يجرى مجرى التاريخ الذى مرت أحداثه، وانتهت ملابساته، وعليه فإن معرفة سبب النزول لا تزيد عن كونها نوعا من الاطلاع والعلم المجرد بما وقع من أحداث، وكان سببا فى نزول بعض الآيات.

ولا شك أن هذا الظن خاطئ، بل لمعرفة أسباب النزول فى القرآن الكريم فوائد جليلة، منها ما يلى:

أولا: بيان الحكمة الباعثة على تشريع كثير من الأحكام، ومن ثم إدراك أن روح التشريع الإسلامى وجوهره يقوم على مراعاة هذا التشريع الحكيم لمصالح العباد فى معالجة ما يعرض لهم من أحداث ووقائع، وأن مراعاة هذه المصالح أمر ينطلق من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده، ورأفته بهم، وتيسيره عليهم.

ولقد تجلت هذه الحكمة واضحة فيما ورد فى حادثة سبب نزول آية التيمم من جهة، وفى النص عليها فى نفس الآية من جهة أخرى، وهذه الآية هى قول الله عز وجل:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ


(٢٩) يعتبر (البرهان) أول كتاب جامع يوضع فى هذا الفن، يقول مؤلفه: (ولما كانت علوم القرآن لا تنحصر ومعانيه لا تنقضى، وجبت العناية بالقدر الممكن، ومما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه، كما وضع الناس ذلك بالنسبة لعلم الحديث، فاستخرت الله تعالى- وله الحمد- فى وضع كتاب فى ذلك، جامع لما تكلم
الناس فى فنونه، وخاضوا فى نكته وعيونه) البرهان فى علوم القرآن: (١/ ٣٠).
وعلى هذا الكتاب بنى السيوطى سفره المشهور: (الإتقان فى علوم القرآن) قال رحمه الله تعالى بعد أن استعرض خطبة كتاب الزركشى، وكذلك موضوعات هذا الكتاب: (ولما وقفت على هذا الكتاب ازددت به سرورا، وحمدت الله كثيرا وقوى العزم على ما أضمرته، وشددت الحزم فى إنشاء التصنيف الذى قصدته، فوضعت هذا الكتاب، العلى الشأن، الجلى البرهان، الكثير الفوائد والإتقان، ورتبت أنواعه ترتيبا أحسن من ترتيب البرهان .. إلى أن يقول: وسميته الإتقان فى علوم القرآن) الإتقان: (١/ ١٦).