للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤ - الترجمة الجائزة]

لقد ثار جدل وخلاف كبير فى ترجمة القرآن وحكمها بين علماء الأمة فى أواسط القرن الماضى وأوائله بين مجيز بإطلاق وبين مانع، وبين مفرق بين بعض أنواعها وبعضه، وكل فريق يستدل لمذهبه، المجيزون يستدلون بوقائع كثيرة كان غرضهم من ورائها تحقيق المقاصد العظيمة التى أشرنا إلى بعضها فيما سبق، والمانعون يخشون التحريف والتبديل على كتاب الله، فالغرض والهدف سام لكن الخلاف إنما نشأ فى الطريق المؤدى إليهما.

وحتى نقف بإنصاف على الجائز من أنواع الترجمة وغير الجائز منها، فلا بد وأن نلقى الضوء على تعريفها اللغوى والعرفى وعلى تقسيماتها وكثير من الأمور التى تعتبر من خواص القرآن حتى يتحقق لنا الغرض.

فلو نظرنا إلى التعريفات اللغوية لوجدنا أنها ترجع إلى أربعة معان رئيسية كما سبق، ثلاثة منها ترجع إلى اللغة وحدها، والرابع تشترك فيه اللغة والعرف الذائع بين الأمم وهو الجدير بالاهتمام والعناية؛ إذ هو المتبادر إلى الأفهام والمقصود فى لسان التخاطب العام. وهى كالآتى (٢١):

[١ - ترجمة القرآن بمعنى تبليغ ألفاظه:]

تطلق الترجمة على تبليغ ألفاظ القرآن الكريم للناس، وهى حينئذ جائزة شرعا غير محظورة، وفعله صلّى الله عليه وسلّم أول شىء يدل على ذلك؛ إذ كان صلّى الله عليه وسلّم يقرأ القرآن ويسمعه أولياءه وأعداءه ويدعو إلى الله- عز وجل- به فى كل حين، وعلى ذلك سارت الأمة من بعده إلى يومنا هذا.

ودعا إلى ذلك القرآن الكريم نفسه؛ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٢٢).

ودعا إليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم نفسه: «بلغوا عنى ولو آية، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». (البخارى، والترمذى، وأحمد)، وقال:

«خيركم من تعلم القرآن وعلمه». (الشيخان).


(٢١) انظر: مناهل العرفان فى علوم القرآن للزرقانى ٢/ ٢٧ وما بعدها.
(٢٢) سورة البقرة آيتا (١٥٩، ١٦٠).