ولقد شعر كثير ممن نالوا حظا من الروح الإسلامية فى العصر الراهن بفداحة التبعة المترتبة على كتمان ما استؤمنوا عليه من هذه الوديعة الإلهية، وتركها محصورة فيهم موقوفة عليهم فى عهد أصبحت فيه جميع النظم الاجتماعية والروابط الأدبية فى بوتقة النقد الدقيق، واستعدت العقول لقبول أى علاج كان يفرج الكروب ويأسو الكلوم، ويحل المعضلات، وينهج محجة لا تفترق بأهلها عن الرشد، ولا تبعد بهم عن الغاية.
فرأى الذين شعروا بأمانة التبليغ أن الضن بالدواء الناجع والبلسم الشافى لجراح الإنسانية يعتبر أكبر جريمة يمكن أن ترتكبها جماعة أسند إليها الاضطلاع بعمل عالمى عظيم، فنشطوا لترجمة معانى القرآن الكريم إلى أمهات اللغات العالمية خروجا من هذه التبعة، وإعذارا إلى الله- تعالى- بهذا العمل، ومدفوعين بعدة عوامل تدعو إلى أهمية هذه الترجمة، من أهمها:
أن الأمم لا تقبل ولا يقنعها أن تأخذ الشيء بالواسطة، وبفهم سواها له- بواسطة الشروح، والرسائل الموضحة- وإنما تريده من مصدره الأول، وتدعى أنها تفهم منه أكثر مما يفهم أهله الأخصون.
وعليه فترجمة معانى القرآن والحالة هذه أصبحت فى هذا العصر أمرا لا مناص منه قياما بالعهد الذى فى أعناقنا له.