للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم تتواكب الآية التالية مع أخواتها الآيات السالفات الذكر من كلام رب العالمين، وهى ليست آيات متواكبة متتابعة وحسب، وإنما هى منن عظمى متتالية متزاحمة يجود به رب العزة على إبراهيم وذريته- ونحن جميعا وقراء هذه الكلمات منهم بإذن الله- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢).

إن ضمن هذه الآيات المتواكبة بل المنن المتوالية دعوة عظمى أخرى لسيدنا إبراهيم، ذلك أنه دعا ربنا أن يبعث فيهم- أى فى ذريته- رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم كتابك والحكمة ويزكيهم، فاستجاب له ربنا وبعث فينا محمدا صلّى الله عليه وسلّم فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ووضعنا على المحجة البيضاء:

تلا علينا آياتك وعلمنا كتابك ووجهنا إلى صراطك المستقيم، وهو الرسول الخاتم الذى اخترته مبلغا لأسمى رسالة: خاتمة الرسالات التى سوف تظل تحرسها بهدى من كتابك العظيم، ويسهم فى التذكير بها والعمل على حفظها ونشرها من اخترته من أتباع دينك المستقيم، إلى أن ترث اللهم الدنيا ومن عليها وأنت أكرم الأكرمين وخير الوارثين.

[السير فى الأرض:]

إن الأرض التى خلقها الله للإنسان لكى تستقر حياته فيها مليئة بمنن الله على خلقه، مكتظة بآيات خالقها التى ما إن يتفكر الإنسان فيها وفيما تقع عليه عيناه فى أرجائها الواسعة لن يملك إلا أن يؤمن بالله ربا واحدا خالقا مبدعا، هذا فضلا عن آيات أخرى كثيرة، ومنن ربانية لا حصر لها، فيكون بين أمرين لا ثالث لهما: إيمان، وحسن جزاء، أو نكران وسوء عقاب، وإذن فلا مفر له من أن يطيع أمر خالقه بالسير فى أكناف الأرض حتى لا يكون له عند الله حجة إذا لم يستجب لأمره ويذعن إلى الاتجاه إلى الخالق الأعظم.

يقول جل شأنه وتباركت مشيئة، (الخطاب هنا موجه إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم):

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (١٣).


(١٢) سورة البقرة الآيات: ١٢٧ - ١٢٩.
(١٣) سورة الروم الآيات: ٤٢ - ٤٤.